المقالح الإنسان والشاعر والناقد في النادي الثقافي بمسقط

ثقافة 2022/01/21
...

 أ.د. سعد التميمي
 
عندما بلغني الصديق العزيز الشاعر المبدع عبد الرزاق الربيعي قبل ثلاثة أشهر بدعوة النادي الثقافي في مسقط  للمشاركة في ندوة لتكريم الشاعر المبدع عبد العزيز المقالح بصحبة الناقد والأكاديمي د.ابراهيم السعافين والشاعر اليماني محمد عبد السلام منصور ود. محسن بن حمود الكندي من سلطنة عمان، سعدت وعدت بالذاكرة الى تسعينات القرن الماضي عندما حطت رحال كثير من الأكاديميين في اليمن، وأذكر أول لقاء لي بالمقالح في مقيله وكيف رحب بنا أنا والاصدقاء د.حاتم الصكر والشاعر عبد الرزاق الربيعي، ففي هذا اللقاء تلمست البعد الانساني لهذه الشخصية، وهي تتفاعل مع الناس البسطاء وتقدم لهم يد العون، مثلما تحتضن المثقفين والأدباء والشعراء، فهو الشاعر الذي حمل صنعاء حزنا وحلما، وقد جاء احتفاء النادي الثقافي في مسقط والوسط الثقافي العماني بالمقالح في افتتاح برنامجه الثقافي للعام 2022، بعد أن تم اختياره الشخصية العربية الثقافية للعام 2021.                                                                                         
ويأتي انعقاد الندوة التي أدارها الشاعر إبراهيم السالمي برعاية سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب، تحت عنوان التجربة الابداعية للمقالح بحضور سفراء العراق والمملكة العربية السعودية واليمن وعدد كبير من الأكاديميين والمثقفين لما تمتلكه الشخصية المكرمة من مكانة ثقافية وأكاديمية، ويؤكد الدكتور محمود بن مبارك السليمي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي أن الاحتفاء يأتي ليعكس تفاعل النادي الثقافي مع الثقافة العربية ورغبته في مدّ أواصر التعاون بين الثقافة العمانية والثقافة العربية من خلال المؤسسات المعرفية والثقافية رغبة في إثراء الحياة الثقافية والفكرية في عمان؛ فمثل هذه الندوات والحوارات النوعية التي ينظمها النادي الثقافي، بمشاركة مبدعين عمانيين تساعد في مد جسور التواصل مع المجتمع في فضاء ثقافي ومعرفي يشجع على الحوار والتفاعل، أما قصيدة د.سعيد الزبيدي فقد عبرت عن الوفاء للمقالح.                                                                    
 قدمت فيها ثلاثة بحوث في ثلاثة محاور: الأول البعد الانساني وقدم فيه الشاعر محمد عبد السلام منصور صديق الشاعر المقالح بحثا تضمن شهادة في شخصية المقالح الانسان، ووقف عند محطات مختلفة من حياته التي كان فيها قريبا من الوطن والانسان اليمني بآلامه وطموحاته في ورقته (أيقونة الثقافة اليمنية)، فالمقالح طوال حياته كان رافدا مهما للنهضة المجتمعية والعلمية، فضلا عن دوره في نشر الوعي بالحرية الفكرية والاستقلال والتحرر من قيود التخلف ليسهم نتاجه الفكري والإبداعي ومقالاته المنشورة في الصحف اليومية والدوريات الأدبية في إثراء الثقافة اليمنية، العربية، والإنسانية، إسهاما كبيرا، في عصرنة الرؤى، إلى القيم الجمالية، في الفنون والآداب، الأمر الذي كان له أثر في تطور وحداثة الإبداع اليمني بشكل عام والإبداع الشعري والسردي بشكل خاص، لترتقي الذائقة الجمالية، لدى النقاد والقراء، بأعماله الأدبية الحداثوية، فكانت آمال الناس وأحلامهم ترقب ما تجود به قريحة المقالح من رؤى وأفكار، وفي المحو ذاته يرى د.محسن بن حمود الكندي أن المقالح يظل بتألقه الإبداعي وفكره الخصب المتقد الكارزمي المستنير واجهة اليمن السعيد بعيداً عما يكتنفها من منغصات، وأنت حين تزورها يأسرك اسمه منذ بداية الوصول فلا تكاد ترى غيره، فالرجل ملأ كيان بلده، وأوسعها تأثيراً بل ورسم خط ثقافتها الجديدة، فكل مكتوب جديد في اليمن يذكرك به، وكل منطوق بالحداثة مرتبط به انه الاسم الوضاء اللامع لليمن السعيد.                                
 أما الدكتور إبراهيم السعافين فهو يرى في بحثه الذي حمل عنوان (عبدالعزيز المقالح النّاقد الموضوعي) أن منجز «المقالح» النقدي يعكس استيعابه ثقافة عصره وعدم انقطاعه عن تراث أمّته، وبذلك يمكن قراءة رؤيته لحركة الشعر الحديث والتحوّلات الشكلية والإيقاعيّة، فقد نظر بتسامح إلى تحوّلات القصيدة من الشطرين إلى التفعيلة ثم قصيدة النثر، فمقياس الجودة عند المقالح تقوم على الأصالة والشاعرية والتعبير عن حاجات الإنسان وأشواقه بلغة جديدة تتجاوز الرّاهن وتتخذ مسالك أسلوبية قوامها التجذر في المنجز التّراثي والتجاوز في الأسلوب والتعبير بما يشكل ظاهرة أسلوبيّة فريدة.                                                                                    
أما تجربته الشعرية التي ارتبطت بوطنه اليمن بشكل كبير فقد ارتأينا أن نتناولها ببحث عنوانه (جدلية الدستوبيا واليوتوبيا) فالمتتبع لشعر المقالح يجد أنّ الحزن كان حاضرا فيه بقوة، وهذا ما يعكسه المعجم الشعري الذي تغلب عليه معاني الحزن والألم والقلق، وذلك لقربه من معاناة الوطن وتفاعله مع قضايا الشعب، إذ عالج في شعره موضوعات عبّر من خلالها عن القضايا الكبيرة من الحروب والفقر والجوع والجهل التي عانى منه الشعب لزمن طويل، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع المقالح من بعث الأمل بالحرية والسلام والجمال بين الحين والآخر لاستنهاض الهمة والمبادرة في تغير الواقع.