أكاديميو الثقافة يطالبون بإنقاذها

ثقافة 2022/01/21
...

  استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 
هناك حيث يتزاحم أبناؤنا عند أبواب الجامعات، يكاد المراقب لابتساماتهم أو قهقهة ضحكاتهم أن يسمع خفق أجنحة أحلامهم، يكاد أن يرى في عيونهم تلك المدن الواسعة كالفراديس، يرى صقور المعاني وهي تتطاير من حواراتهم نحو الأفكار. هناك لك أن تتخيل خطواتهم على سلالم المعرفة، وهي تفرز واحدة بعد أخرى كتباً جديدةً على رفوف مكتبات الجامعات منذ عقود عديدة. كتب هي رسائل وأطاريح للدراسات العليا، بعضها رأى النور، وبعضها الآخر ما زال يتنفس تحت غبار النسيان، ومنها ما تراكم عليه الزمن كتراب القبور.
هنا نتساءل عن أهمية ما ينجز سنوياً من رسائل وأطاريح ماجستير ودكتوراه في الشأن الثقافي الأدبي، عن تقييم المختصين للكيفية التي  تتعامل بها الجامعات مع المهم والملفت منها. 
ونستوضح أيضا: أيمكن الحصول على تلك الرسائل بسهولة؟، هل ثمة إحصائية متكاملة عن كمها ونوعها؟، ماذا لو سعت الجامعات إلى إنجاز أو دعم مشاريع ثقافية تمت بصلة لتلك الدراسات؟، ألا يجد المختصون أن على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تأسيس دور نشر خاصة بها لطبع هذه الأطاريح الجامعية كي تسهم بدعم الكتاب من جهة، وتحقيق أهداف تلك البحوث من جهة أخرى؟. 
 
مطابع مهملة في الجامعات 
الدكتور علي المرهج تحدث عن إنتاج كثير من الرسائل والأطاريح عن المنتج الأدبي العراقي والعربي، بحكم كثرة أقسام اللغة العربية في كليات الآداب والتربية وفي كل الجامعات العراقية، مشيراً إلى احتمالية أن لا تكون لتلك الكثرة أهمية كبيرة لأسباب عديدة يرى المرهج أن منها ما يلي: 1ـ ضعف القيمة العلمية لبعض هذا المنتج. 2ـ انتاج بعضه عن شخصيات لا قيمة أدبية لها، ولكن أنتج بسبب علاقات هذا الروائي أو ذاك الشاعر بهذا الأستاذ أو ذاك، وبعضهم كُتب عنهم بسبب موقعهم أو منصبهم المؤثر في الجامعات والكليات أو في بعض الوزارات. 3ـ ان كان بعضه منتج قيم، فلا يوجد تسويق له ويبقى حبيس رفوف مكتبات الكليات ولا يصل له سوى المختص. 4ـ لا توجد دور نشر في الجامعات العراقية، وإن وجدت فنتاجها ضعيف ومكرس للنتاجات في العلوم الطبيعية. 5ـ عدم دعم الوزارة للبحث والكتاب المنشور في مجلاتها وفي دور النشر العراقية، هذا إن نشر الباحث بحثه وكانت له قيمة أكاديمية ومعرفية، لأن كل هم الوزارة منصب على النشر في المجلات الأوروأميركية التي يدفع لها الباحث العراقي بالدولار لتنشر بحثه، وكأن الوزارة تدعم مجلات ودور النشر العلمية على حساب مجلات ودور النشر المحلية!.
 وعن الاحصائيات المتوفرة لهذه الرسائل والاطاريح وكيفية الحصول عليها بيسر قال: هناك بعض الأقسام عملت على احصاء رسائل الماجستير والدكتوراه التي صدرت عنها، ولكنها قليلة ولا تُحدَّث بشكل مستمر. أما عن الحصول عليها بيسر، فهو أمر ممكن في مكتبات الكليات والجامعات إذا كنت تعرف عنوان الباحث وعنوان رسالته أو أطروحته، أو تعرف بتصنيف (دوي) المكتبي لتبحث عن موضوعك فتجدها، ولكن استعارتها أمر صعب، فيمكن لك الاستعانة بها في المكتبة ذاتها أو نسخ بعض الصفحات التي تهمك.
ثم رد المرهج على تساؤلي عن امكانية تأسيس وزارة التعليم لدور نشر خاصة بها بتساؤل مماثل وأتبعه بإجابة عنه قائلا: لماذا تسعى لتأسيس دور نشر وهي فيها مطابع لا سيما الجامعات العريقة مثل بغداد والبصرة والموصل وقد تكون هناك جامعات أخرى فيها مطابع. ولكن قل لماذا أهملت هذه المطابع في الجامعات العريقة وهي التي أصدرت مؤلفات مهمة في العلوم الطبيعية والإنسانية؟، ولماذا تدفع الوزارة الجامعات لإهمال المنتج المحلي وتشجيع أساتذتها على النشر خارج العراق وفي مجلات قد لا ترقى تاريخياً وعراقة الى مجلات جامعاتنا؟ الجواب والخبر اليقين عند القيمين على دائرة البحث والتطوير وجهاز الإشراف في الوزارة. 
 
رسائل لمخازن الكليات 
الناقد الدكتور أحمد حسين الظفيري يرى أن نوعية ما ينتج من رسائل وأطاريح في الشأن الثقافي جيدة إلى حد ما، وأن هذه الجودة تتفاوت من جامعة إلى جامعة، بحسب خبرة واطلاع الأساتذة، فهنالك جامعات ما تزال دراستهم تقليدية، ويرفضون الموضوعات المعاصرة، بل إنهم لا يحبذون دراسة الأدباء المعاصرين ولا المناهج النقدية المعاصرة، على حد قوله.
وعلى الرغم من ذلك كله يعتقد الظفيري أن عنوانات الرسائل والأطاريح في العراق أفضل مما موجود في الدول العربية مقارنة بالأوضاع الدراسية بين البلدين، وعن كيفية الحصول عليها قال موضحا: لا يوجد لغاية الان نظام مكتبي إحصائي متطور، وقد قامت مكتبة العتبة العباسية بإنشاء موقع يسمى (المستوعب الرقمي) وهو يحوي عددا كبيرا من العناوين للأطاريح والرسائل، لكن أعتقد أن هذا المستوعب لا يضم كل العناوين بصورة شاملة، فضلا عن اقتصاره على العناوين فقط من دون إمكانية الحصول على الرسالة أو الأطروحة، ولا أعتقد أن الوزارة تفكر بآلية للإحصاء والنسب المنتجة عن كل جامعة، وربما لو حاولت بعض المراكز البحثية في الجامعات إجراء إحصاء شامل ودقيق وتبويب لتلك العنوانات لكان جهدا مميزا ويمكن أن يكون ذا مردود مادي أيضا، بعد أن يكون هناك اشتراك سنوي مدفوع من قبل الطالب مقابل استعمال هذه المنصات الرقمية التي توفر الرسائل والأطاريح، هذا من جانب، ومن جانب آخر يمكن لكل جامعة تأسيس دار نشر خاصة بها تقوم بطبع الرسائل المُوصى بطباعتها من قبل لجان المناقشة، والتسويق لها محليا وعربيا، وأيضا ستكون خطة ذات مردود مادي أولا وفيها مساهمة علمية كبيرة لتوثيق ما ينتج عن الجامعة من جهد علمي، ولكن للأسف حتى الجامعات التي كانت لديها مطابع معروفة (بغداد، المستنصرية، الموصل) توقفت منذ سنين إصداراتها وبقيت الرسائل والأطاريح مكدسة في مخازن تلك الكليات من دون أن يستفيد منها طلبة البحث العلمي. 
 
مخرجات ثقافيَّة برؤى علميَّة 
الشاعر الدكتور نضال العياش أشار إلى ما تمثله الرسائل والأطاريح الجامعية من حِراك ثقافي يتناول مساحات من الموضوعات التي تعزز المشهد الثقافي والادبي، لافتا إلى أهمية تلك المخرجات الثقافية التي تُنتج على وفق رؤية علمية وثقافية ترسمها الهيئات العلمية وتلبي حاجة ثقافية. 
وقال العياش مبيناً: إنّ ما ينجز من رسائل وأطاريح جامعية على المستوى الثقافي في الجامعات العراقية بلا شك فإنه يمثل حِراكاً ثقافيا مائزاً من حيث عدد ما يُنجز سنوياً، وإن ما ينجز يشكّل تعاطياً ايجابيا مع الواقع الثقافي ذلك بحسب طبيعة ما تتم دراسته وتناوله بالبحث، والذي يتناول مساحات من الموضوعات التي تعزز المشهد الثقافي والادبي، ومن الجدير بالذكر أن كل تلك المخرجات الثقافية تُتنج على وفق رؤية علمية وثقافية ترسمها الهيئات العلمية وفق ما تجده مناسبا من عنوانات جديرة بالدراسة وتلبي حاجة ثقافية، وتلك الدراسات متاحة للباحثين في أي وقت من خلال المكتبات، فضلا عن دور الجامعات في اشاعة المكتبات الرقمية التي تبوح من خلالها بما في خزانتها من تلك الدراسات والكيفية التي يمكن الافادة منها وفق تسهيلات الكترونية وسياسة تسويق علمية ناجحة بحسب تقديري، رغم أني لا أجد ذلك كافيا من الجامعات بل الأجدر أن تؤسس لدور نشر خاصة بها وفق اشتراطات النشر والتأليف، وأن تقوم بنشرها بصورة كتب حتى تكون رصيدا يضاف للجامعات ويكون أكثر اتاحةً للباحثين والمهتمين بالمشهد الثقافي، فضلا عن إعداد ببلوغرافيا لما تم إنجازه من 
دراسات. 
ومن الجدير بالذكر أيضاً ان يكون هنالك تعاون وانفتاح بين الجامعات واتحاد الأدباء والكُتّاب بغية اطلاعهم على مُجمل ما يُدرَسْ وربما بإمكانية الاتحاد ان يعزز الجامعات بنتاجات الادباء التي بالإمكان دراستها وتفكيك عناصرها بما يخدم المشهد الثقافي والادبي، ومن هنا سنحصل على منظومة ثقافية متكاملة بين الجامعات والجهات ذات العلاقة. 
 
الأكاديمي في حقل الثقافة 
الناقد الدكتور وسام العبيدي يرى أن المنجز الأكاديمي العراقي في حقل الثقافة والأدب، لم ينتظم كلّه على وتيرة واحدة من الأهمية؛ وذلك الأمر يتبع عدّة أسباب، منها: أنَّ اختلاف موضوعات الرسائل والأطاريح الأكاديمية، يتبع نضج الخبرات العلمية للملاكات التدريسية في الكليات، ولا يخفى أنَّ كثيرًا من الأساتذة، ينظر إلى اقتراح الموضوعات من زاوية تخصصه العلمي الدقيق، وهو 
تسويغٌ مقبولٌ إلى حدٍّ، فالأستاذ يربأ بنفسه أن يلجَ موضوعات ليس لديه أدنى إحاطة بها، بما يدفعه أنْ يقترح لطالبه موضوعًا يقع في مساحة تخصصه الدقيق؛ ليُتاح له تقديم المشورة العلمية لديه، ولكن في الوقت نفسه، لا يقدّر مثل هذا الأستاذ توجّه الباحث الذي أُوكِل إليه مهمة الإشراف عليه. 
وأضاف العبيدي قائلا:  وهنا سيضطرّ الباحث إما أنْ يتخلّى عن شرط (الميول) الذي يُعدّ واحدًا من أهم شروط الباحث العلمي، أو يكتب في الموضوع الذي يقترحه الطالب ويُدافع عنه بالاعتماد على نفسه، الأمر الآخر الذي يشكل أحد العقبات في اقتراح الموضوعات، أنّ الكثير منها يفتقر إلى (مشكلة) في عرف البحث العلمي، فتجده –أي الموضوع- لا ينضوي على إشكالية تدفع الباحث إلى تقصّي مرجعياتها، والخوض فيما أثارته من قضايا، وهذا يعود إلى جملة أسباب، منها بصورة مباشرة أنّ بعض اللجان العلمية لا تملك الخبرة العلمية الكافية في اقتراح الموضوعات ذات الأهمية والحيوية، وبالمحصلة تمرر مثل هكذا موضوعات.