الصدفة وإدارة الأزمات

آراء 2022/01/21
...

 عباس الصباغ 
يقول المثل السائر «رب صدفة خير من ألف ميعاد»، ولكن لا يكون هذا المثل صحيحا حين يتعلق الامر بالأمن الوطني للبلد والمستوى المعاشي لمواطنيه، فالدول ذات السياسات الناجحة والحكم الرشيد لا تعتمد على الصدف وضربات الحظ في تمشية أمورها، ويجب أن يتقن المتصدون فن سياسة إدارة الأزمات وطرائق معالجتها، وألا يعرّضوا شعوبهم تحت رحمة الصدف.
 
 أسوق هذه المقدمة للتطرق الى امرين مهمين، سبق وإن عانى منهما العراق، الأول النقص الواضح في الموارد المائية ما سبّب معاناة كبيرة للمزارعين، واحراجا كبيرا للجهات المسؤولة عن الخطط الزراعية، التي تم تقليصها الى النصف بسبب الشح الحاصل في الموارد المائية الآتي من دول الجوار (المنبع ) لنهري دجلة والفرات، اللذين لم يعودا يفيان بالالتزامات اللوجستية المطلوبة لتنفيذ الخطط الزراعية ضمن البرامج، التي تضعها وزارة الموارد المائية بتنظيم الحصص المائية حسب المتوفر من المياه وحسب الحاجة الفعلية للزراعة، ولكن شاءت الاقدار الإلهية ان تتغير تلك الصورة بعد ان تغيرت الحالة المطرية، التي شهدت نضوبا هي الاخرى ولعدة سنوات مضت، فحدث هطول غير متوقع للأمطار الغزيرة في اقليم كردستان وبعض دول الجوار، ما ادى الى حدوث سيول موسمية معتادة ساهمت في رفع الخزين المائي للبلد ببعض المناسيب، التي تقلل من نسبة الجفاف، ولكن دون أن تؤدي الى انحساره تماما بل الى تقليلها نوعا ما، ما أدى الى شيوع الاطمئنان بأن الموسم الزراعي الحالي قد يكون شبه مؤمّن.
والصدفة الثانية التي لعبت دورا كبيرا في انعاش الاقتصاد العراقي تتمثل  بالوفرة المالية النسبية والمؤقتة في اسعار النفط في السوق العالمية، وان كانت حالة لا تدعو للاطمئنان الكامل من قبل مهندسي الموازنات المالية العامة ـ وكما نوهت ـ هي مرحلة مؤقتة ونسبية وغير كافية لتجاوز الازمة المالية التي يمر بها الاقتصاد العراقي، كما انها لن تساعد في تقليل نسب العجز الترليوني في الموازنات المالية العامة بشكل مريح، اذا لم تستغل بشكل مهني ومتقن ومدروس.
الدول الناجحة لا تنتظر حدوث الصدف حتى السارة منها، بل تعتمد على برامجيات متقنة وحكيمة وكوادر مهنية مخلصة في عملها ومتقنة في ادارة الأزمات وبعيدة عن سياسة انتظار الصدف، كارتفاع أسعار النفط لتعويض الخسائر المالية جراء انخفاض الأسعار او انتظار أن تعوض الطبيعة النقص الحاصل في الموارد المائية بواسطة الأمطار او السيول وغيرها كثير،  وكان من المفروض على جميع الحكومات المتعاقبة ان تنظم الواقع المائي بإنشاء سدود على نهري دجلة والفرات او تنظيم حصة العراق بعقد اتفاقيات مع دول الجوار لتلافي حدوث شح كما يحصل الان، او تأسيس صندوق سيادي نفطي لتلافي حدوث ازمة مالية بسبب انخفاض اسعار النفط.. الخ.