بغداد: حيدر فليح الربيعي
ضاعفت الحكومة تحركاتها الهادفة الى إنعاش القطاع الخاص، ومنحه المساحة التي يمكن بمقدورها دعم العملية الاقتصادية بشكل عام، ومساندة موازنات البلد المالية والخروج من الريعية التي يعاني منها العراق نتيجة اعتماده بشكل كلي على الايرادات النفطية، ففي حين أكد وزير التخطيط، خالد بتال النجم، أن التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد العراقي، هو التحول الحقيقي نحو القطاع الخاص المعتمد على إمكاناته، بين وجود مساع لتذليل جميع الصعوبات والتحديات التي تواجه عملية التحول وتمكين هذا القطاع الذي وصفه بـ {الحيوي}، مشيرا الى حاجة البلاد الكبيرة لقرارات جريئة وشجاعة تسهم في تطويره.
الموقف الحكومي الذي عبر عنه وزير التخطيط، والذي يأتي كجزء من التحركات التي رسمتها الورقة الاصلاحية البيضاء، الهادفة الى انعاش الواقع الاقتصادي، قوبل بترحيب عدد من الاقتصاديين، الذين أشادوا بجميع الخطوات التي من شأنها منح القطاع الخاص الدور الذي يمكن من خلاله تنمية الاقتصاد الكلي ودعم موازنات البلاد، مؤكدين أهمية ذلك القطاع في امتصاص اليد العاملة وتلبية احتياجات السوق وتقليل نسب الفقر.
تذليل الصعوبات
وذكر بيان لوزارة التخطيط تلقته “الصباح” أن “النجم شدد خلال ترؤسه الجلسة الرابعة لمجلس تطوير القطاع الخاص، على العمل بجدية عالية من أجل تذليل جميع الصعوبات والتحديات التي تواجه عملية التحول وتمكين هذا القطاع الحيوي، من خلال تحديد وتشخيص المشكلات، ومن ثم وضع الحلول والمعالجات المطلوبة لها”، مبينا ان واحدة من المشكلات هي وجود تقاطع في العلاقة بين القطاعين الصناعي
والتجاري.
وأوضح الوزير، وفقا للبيان، وجود حاجة كبيرة لقطاع مصرفي تنموي فاعل، قادر على تهيئة الأرضية الاستثمارية الخصبة للقطاع الخاص، وتمكينه من تنفيذ السياسات الحكومية التنموية، فضلا عن الحاجة الى قرارات جريئة وشجاعة تسهم في تطوير القطاع الخاص، مشيرا الى ان واحدة من مسارات تطوير القطاع الخاص، وضع خطة انتقالية لبيع وشراء السلع والخدمات التي تقدمها الشركات العامة، مع تقييم لقابلية تلك الشركات على الاستمرار من عدمه، وتصنيفها الى ناجحة ومتعثرة وفاشلة، وتفعيل إجراءات إعادة هيكلتها وتحويلها الى شركات تعمل بمناهج تجارية.كما لفت الى أن وزارة التخطيط تتولى متابعة اجراءات تطوير القطاع الخاص، عبر خريطة اجراءات قصيرة المدى، والعمل على تعديل قانون الاستثمار والقوانين التي تضمن تلبية متطلبات تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
تشريعات وقوانين
الخطوات الحكومية الرامية الى إنعاش القطاع الخاص، تتطلب وفقا للخبير الاقتصادي، عقيل الانصاري، حزمة معالجات آنية، بضمنها تفعيل القوانين والتشريعات التي أقرت سابقا لكنها معطلة لغاية الان، مثل قانون التقاعد للعاملين في هذا القطاع، وقانون العمل وقانون الاستثمار، فضلا عن إعادة العمل بالمبادرات الحكومية الكفيلة بتنشيط وتحريك عجلة انتاج هذا القطاع، مثل “المبادرة
الزراعية”.
كما حث الانصاري، خلال حديثه لـ “الصباح” على أهمية اصدار تشريعات واضحة تتعلق بمنع استيراد بعض المواد الاستهلاكية لحماية المنتج الوطني، فضلا عن فرض ضرائب مناسبة على السلع المستوردة من الخارج، بهدف تحريك وحماية الانتاج المحلي، معربا عن أسفه لغياب مثل تلك القوانين والتشريعات التي تهدف الى تشجيع وزيادة الانتاج.
حلول ومقترحات
ويرى الأنصاري، ضرورة أن تتجه الحكومة الى تحريك جميع تلك القوانين الهادفة لانعاش القطاع الخاص، لا سيما التقاعد والضمان للعاملين فيه، والذي من شأنه جذب المواطنين للعمل والاستثمار بشكل أوسع في القطاع الخاص، مبينا في الوقت ذاته، افتقار العراق الى المدن الصناعية المتكاملة، داعيا الى بناء من 5 - 10 مدن صناعية في أنحاء مختلفة من العاصمة.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أهمية تلك المدن في تشكيل حلقة اقتصادية وتجارية تلبي متطلبات المصانع المنتشرة في المدينة، فضلا عن وجود الشركات والمؤسسات الداعمة في تلك المدن مثل، المصارف وشركات التأمين، والنقل، والتسويق، والشركات القانونية، مؤكدا ان تلك الخطوة من شأنها تقليل أسعار التكاليف
اللوجستية.
كما اقترح الانصاري، الاستفادة من تلك المدن في تدريب طلبة الثانويات والمعاهد التقنية والجامعات المتخصصة، وربطهم بسوق العمل بما يناسب وحاجة تلك المصانع
والورش.
التنمية المستدامة
بدوره، شدد الباحث في الشأن الاقتصادي، المهندس زكي الساعدي، على ضرورة العمل لتنمية القطاع الخاص، لا سيما وان جميع الحكومات باتت تعتمد على ذلك القطاع بشكل اساسي، وتسعى الى تطويره، مبيّنا أن الاقتصاد العراقي ومنذ العام 2003 مازال اقتصادا ريعيا رغم وضوح الدستور بالتحول الى اقتصاد السوق، غير ان العراق مازال يعتمد بشكل كلي على ايرادات النفط وبنسبة تفوق 94 % وبقيت الموازنة ترتكز على تلك الايرادات، الامر الذي يمكن أن يسبب الحرج للحكومة في حال تراجع أسعاره، مثلما حدث في أوقات سابقة، لا سيما بعد بروز دور الطاقة المتجددة، التي ستزاحم مستقبلا سوق النفط، ومن ثم تضرر الاقتصاد العراقي
“الريعي”.
ولفت الساعدي، الى أن موازنة العراق بنيت على أسعار بيع البترول، لذا ينبغي العمل سريعا على دعم مشاريع التنمية المستدامة التي يمكن ان يديرها القطاع الخاص بشكل حقيقي، لافتا الى ان ذلك القطاع قادر على ادارة تلك المشاريع بشكل أكفأ من القطاع الحكومي “المترهل وظيفيا” على حد قول المتحدث.
الاستثمار المشروط
وبيَّنَ الساعدي، أن أغلب المؤسسات الحكومية “عدا وزارة النفط” هي مؤسسات خاسرة، الأمر الذي يحتم على راسمي سياسة البلد الاقتصادية التفكير بشكل جدي في التحول من مؤسسات ريعية الى مؤسسات تدعم التنمية المستدامة، مشيرا الى أن ذلك الأمر يتطلب دعما حكوميا واضحا، مشترطا لنجاح تلك الخطوة اصدار تشريعات من شأنها إسناد ودعم القطاع الخاص، فضلا عن التوجه صوب “الاستثمار المشروط” الذي يقوم على اساس الانتقال من مبدأ تقديم الخدمة السيئة التي تقدمها بعض مؤسسات الدولة، الى الاشراف على تقديم الخدمة الممتازة وبذات التكلفة، والتي يمكن ان يقدمها القطاع الخاص بإشراف مباشر من قبل المؤسسات الحكومية، مبينا أن هذا النوع من الانتقال الاقتصادي، يمكن أن يوفر الخدمة الجيدة للمواطن والتدريب الممتاز
للموظف.