سفن ودبابات روسية وجنود يزحفون صوب أوكرانيا

قضايا عربية ودولية 2022/01/24
...

 ترجمة: أنيس الصفار                                        
ارسلت روسيا قواتها عبر مسافة 6400 كيلومتراً صوب الحدود الأوكرانية كما أعلنت عن إجراء تمرينات بحرية شاملة في سياق تصعيد موسكو إيقاعات تحضيراتها لهجوم محتمل على أوكرانيا بالتزامن مع وصول المفاوضات إلى طريق مسدود.
ففي الاسبوع الماضي أبحرت ست سفن انزال روسية قادرة على حمل دبابات قتال رئيسة وجنود ومركبات عسكرية مختلفة عبر القنال متوجهة إلى البحر المتوسط في نشر للقوات من شأنه مساندة انزال برمائي على ساحل أوكرانيا الجنوبي في حالة إصدار "فلاديمير بوتين" أوامره بانطلاق الهجوم.
 
كذلك تدعي الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أن روسيا استأجرت مرتزقة إلى جانب تزويدها القوات المتعاونة معها في منطقتي "دونسك" و"لوهانسك" بالوقود والدبابات والمدافع ذاتية الحركة استعداداً لتصاعد العمليات القتالية.
كذلك وصلت إلى بيلاورسيا قوة عسكرية كبيرة تضم صواريخ "اسكندر" البالستية قصيرة المدى وقوات النخبة المسماة "سبتزناز" وبطاريات مضادة للطائرات استقدمت من إقليم شرق روسيا، وهو انتشار غير معهود يقول المسؤولون والمحللون الغربيون أنه قد يتيح لموسكو تهديد العاصمة الأوكرانية كييف.
عمليات الانتشار الجديدة أثارت قلق المسؤولين في الولايات المتحدة، وقد صرح مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية عبر مؤتمر صحفي في الاسبوع الماضي قائلاً: "الصورة بمجملها هي التي تقلقنا .. إنه حشد 100 ألف جندي على طول الحدود الأوكرانية وما رافقه من تحريك للقوات إلى داخل بيلاروسيا خلال عطلة الاسبوع .. الحجم والأعداد تتجاوز بطبيعة الحال ما يمكن أن نتوقعه في حالات التمارين المعتادة".
يضيف المسؤول المذكور أن إنفاذ قوات جديدة إلى بيلاروسيا يمثل رفعاً لقدرات روسيا على شن هذا الهجوم .. فهو توسيع للفرص .. وتوسيع للمنافذ .. وتوسيع للسبل ايضاً، على حد تعبيره.
في الاسبوع الماضي صرح الرئيس الأميركي "جو بايدن" بأن بوتين نفسه ربما كان لا يدري ما هو فاعل، رغم ذلك سوف تفضي النتائج أما إلى حافة الهاوية دون تبصر بالنتائج أو أنها بالفعل استعدادات لعملية عسكرية واسعة النطاق.
يقول "بافل باييف"، وهو استاذ في معهد اوسلو لأبحاث السلام وزميل غير مقيم في معهد بروكنغز: "شيئاً فشيئاً أدرك بوتين أنه الخاسر حتماً إذا ما بقي سائراً على نهج ثابت يمكن استقراؤه والتنبؤ به، كما وصفه بايدن، لذا وجد نفسه مضطراً لفعل شيء، فاندفع نحو هذا التصعيد بكل قوة وحدة".
المساعي الدبلوماسية التي انعقدت في الاسبوع الماضي لم تخلص إلى نتائج واضحة. لكن وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" وصف محادثاته مع وزير خارجية الولايات المتحدة "أنتوني بلنكن" بأنها كانت صريحة وموضوعية.
قال لافروف محدثاً الصحفيين في جنيف: "لا يمكنني الجزم بأن كنا نسير على الطريق الصحيح أم لا، ولكننا سنعلم ذلك حين نتلقى رداً أميركياً تحريرياً على جميع الفقرات التي أوردناها في مقترحنا".
لكن ليست هناك خطط محددة وواضحة تسمح بمتابعة الموقف، كما يبدو أن ما من سبيل للتوفيق بين الطرفين، حيث يتمسك وزير الخارجية الروسي بالمطالب القصوى التي تدعو إلى خروج قوات الناتو من جميع الدول التي التحقت بالحلف بعد العام 1997.
يقول باييف: "ما كان يدور في الجانب الروسي طيلة الاسبوعين  المنصرمين ليس دبلوماسية بالمعنى الصحيح، بل هو مزيج من المخادعة والابتزاز والتلويح بالحرب".
مع اقتراب الحشد الروسي من نقطة التكامل باشرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تصعيد دعمهم لأوكرانيا. ففي الاسبوع الماضي أرسلت بريطانيا اكثر من 2000 "قاذفة صواريخ خفيفة من الجيل المقبل" مضادة للدبابات، كما نشرت ما يقارب 30 جندياً تابعين لكتيبة جديدة من الحرس بصفة مدربين.
كذلك اعلنت استونيا أنها سوف تمد أوكرانيا بصواريخ "جافلن" المضادة للدبابات بينما ترسل إليها لتوانيا ولاتفيا صواريخ "ستنغر" المضادة للطائرات. وفي تحول جديد قالت هولندا إنها على استعداد لتوفير أسلحة دفاعية لأوكرانيا في حين قالت الولايات المتحدة إنها ستزيد من حجم مساعداتها بإرسال طائرات شحن مروحية من طراز (Mi-17) كانت معدة اصلاً لاستخدامها في افغانستان.
هذا الاندفاع المتسارع لإرسال السلاح إلى أوكرانيا يعكس إدراكاً بأن روسيا يمكن أن تشن هجومها في أية لحظة. في الاسبوع الماضي صرح بلنكن في حديث معلن قائلاً: "نحن على علم بوجود خطط جاهزة لرفع حجم تلك القوة أكثر بإيعاز سريع ووقت قصير، وهذا سيوفر للرئيس بوتين القدرة على اتخاذ رد فعل أمضى ضد أوكرانيا وهذا أيضاً سيأخذ مجراه بسرعة وبأقصر وقت".
أبعاد مشهد الهجوم الروسي وأهدافه النهائية لا تزال مبهمة، إذ يعتقد بعض المحللين أن روسيا ربما كانت تسعى إلى ضم منطقة الدونباس رسمياً، أو قد تحاول الاستيلاء على مناطق معينة تصل الأراضي الروسية بالقرم، وهي شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها روسيا إليها في 2014.
بيد أن محللين آخرين يرون أن هدف موسكو الأكبر يتمثل بإرغام الحكومة الأوكرانية على الإذعان للشروط الروسية وإعادة بناء فضاء نفوذها فعلياً في اوروبا الشرقية. هذا الهدف الطموح قد يعني أن الهجوم الروسي ربما سيسعى لفرض ضغط فائق على الحكومة الأوكرانية. 
في تحليل له كتب "روب لي"، وهو عنصر سابق في سلاح المارينز الأميركي وزميل في برنامج أوراسيا التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية: "إن يكن المقصود هو إرغام القيادة الأوكرانية قهراً فإن الهجوم البري لن يكون مبرراً ما لم ينجح في وضع أوكرانيا تحت طائلة خطر متصاعد وتهديد لا طاقة بها على تحمله، وهذا لن يتحقق بالجسر البري أو بعملية في أوديسا، لكن الهجوم المباشر على كييف قد يصيب الهدف المطلوب".
ما تبتغيه روسيا في نهاية المطاف هو ثني أوكرانيا عن الدخول في حلف الناتو وقطع شريان تعاونها مع القوى الغربية وعكس توجهات كييف للنأي عن موسكو. لأجل هذه الغاية أخذت تسعى لوضع أوكرانيا في موقف يجبرها على الإسراف في نشر دفاعاتها إلى حدود الإنهاك في ظل تهديد محتمل بإنزال ضربة كالمطرقة على كييف. أما روسيا نفسها فقد نشرت أكثر من 60 كتيبة تكتيكية من قواتها، وهذا يتعدى ثلث القوة العسكرية الإجمالية التي تمتلكها، ويبدو أنها غير راغبة في إيقاف هذا التصاعد في التحشيد على الحدود الأوكرانية.
بدأ الجنود الروس ومعهم صواريخ "اسكندر" البالستية قصيرة المدى يتدفقون على بيلاروسيا في الاسبوع الماضي قاطعين المسافات من أقصى شرق روسيا. توافدوا للمشاركة بالتمارين العسكرية المشتركة التي حدد لها منتصف شهر شباط المقبل وسوف تشارك فيها طائرات سوخوي المقاتلة من طراز (Su-35) مع كامل القوة المسلحة البيلاروسية تقريباً، وفقاً لما أاعلنه الرئيس الأوكراني "الكساندر لوكاشنكو" يوم الجمعة الماضي مختتماً حديثه بعبارات ذات مغزى قال فيها: "لا يتورطن أحد معنا لأننا لن نهزم".
في الوقت ذاته أعلنت روسيا عن إجرائها تمارين بحرية شاملة ستشارك فيها جميع أساطيل البحرية الروسية، أي ما يزيد على 140 سفينة حربية. عدا تلك هناك سفن الإنزال الست، التي يعتقد أنها تتجه الآن صوب البحر المتوسط. بعد انتهاء التمارين سوف يرسل طراد ومدمرة روسيين أيضاً إلى المنطقة على وجه السرعة.
حلف الناتو أعلن من جانبه هو أيضاً عن قرب القيام بتمارين بحرية تشارك فيها المجموعة الضاربة المرافقة لحاملة الطائرات الأميركية في البحر المتوسط، هذه التمارين سوف تستغرق فترة الاسبوعين المقبلين. معنى هذا أن الخصمين سوف يجريان تمارينهما في الوقت ذاته وسط أجواء توتر متصاعدة.
ما يبدو هو أن روسيا الآن في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على تحضيرات ضرب أوكرانيا، ولكن حتى لو لم يقع الهجوم فإن المحللين يقولون إن الوضع لن يعود إلى سابق ما كان عليه قبل بدء الحشد الروسي في السنة الماضية. تقول "أنجيلا ستينت" المديرة الفخرية لمركز الدراسات الروسية والاوروبية الشرقية والأوراسية في جامعة جورج تاون: "من الواضح على ما اعتقد أننا لن نعود إلى الوضع الذي كان قبل نيسان 2021 حتى لو أمكن تفادي هذه الحرب".
خلال مناقشة على طاولة مستديرة قالت ستينت إن الأزمة ربما ستسفر عما أسمته "إعادة ترتيب للأمن الأوروبي الأطلسي هي الثالثة منذ الأربعينات".     
   
أندرو روث/عن صحيفة الغارديان