طريق الحرير على طاولة { الصباح } يخترق 70 بلداً ويُحيي دور العراق في التجارة الدوليَّة
اقتصادية
2022/01/25
+A
-A
بغداد: حسين ثغب
وشكران الفتلاوي
اهتمام عالمي واقليمي ونقاش محلي متواصل بشأن طريق الحرير والمنفعة التي يحققها للدول التي يمر خلالها، إذ يحمل بين ثناياه تغيرات كبيرة في واقع السوق العالمية، لا سيما أن أسعار الغذاء والنقل خلال الأشهر الماضية ارتفعت الى مستويات أثارت المجتمعات الدولية. لأجل تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم الذي يشغل جميع دول العالم التي تحت مظلته وخارجها، التقت {الصباح} خبير الشأن الاقتصادي وعضو منتدى بغداد الاقتصادي عفيف الريس وتدارست معه واقع هذا المشروع الذي ينفذ داخل قرابة الـ 70 دولة في قارات اسيا وافريقيا واوروبا، وأنها تعيد إحياء دور العراق المحوري في المبادلات التجارية، كونه يمثل قلب طريق الحرير البري والبحري.
وقال الريس: إن {الصين بادرت في نهاية عام 2014 الى انشاء صندوق طريق الحرير وهو صندوق استثماري مملوك للدولة بمبلغ رأس ماله 40 مليار دولار يهدف الى تمويل مشاريع البنية التحتية البالغ عددها نحو ألف مشروع ستنفذ تدريجيا لربط دول القارات الثلاثة اسيا، افريقيا، اوروبا عبر شبكة مواصلات معقدة من الجسور والطرق البرية والسكك الحديدية والبواخر والطائرات، بما فيها بناء الموانئ والمطارات والمناطق الحرة وخطوط الطاقة الكهربائية وشبكات الانترنت والبنية التحتية الأخرى على طول وعرض الدول الواقعة على خطوط الحزام والطريق والبالغ عددها سبعين دولة في القارات الثلاثة}.
تعزيز التجارة
وأضاف {سيتم بناء شبكة المواصلات الواسعة هذه بأدوات حديثة ومعدات ذات تكنولوجيا عالية ستوفر قطارات فائقة السرعة وتطوير طرق برية متينة وآمنة وموانئ ذات طاقات استيعابية وتحميل وتفريغ كبيرة وسريعة كل ذلك سيعزز نمو التجارة البرية والبحرية في آن واحد عبر هذا المشروع الكبير، مما سيوفر خيارا عالميا لعولمة أكثر شمولية وانفتاحا وتوازنا يدعم نظام التجارة العالمية الحرة واقتصادا عالميا منفتحا يقوده تعاون اقليمي مفتوح ليعزز التدفق المنظم والحر للعوامل الاقتصادية وتوظيف الموارد بكفاءة عالية وصولا لتحقيق الاندماج الكامل بين الاسواق، وكذلك التنسيق المشترك بين مختلف السياسات الاقتصادية للدول المستفيدة من هذا المشروع}.
البنك الآسيوي
وتابع الريس {لإخراج هذه المبادرة من إطارها النظري الى التنفيذ العملي انشأت الصين، فضلا عن صندوق طريق الحرير، البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية وهو مؤسسة مالية متعددة الاطراف جمعت الدول المعنية وعددها 57 دولة لتلبية احتياجات البنية التحتية الواسعة ويبلغ رأس ماله 100 مليار دولار، وتقدر احتياجات الاستثمار في هذه المشاريع بحدود 73 مليار دولار خلال الفترة 2015- 2020}.
وتجدر الاشارة الى انه رغم ضخامة هذه الاحتياجات فليس هناك مشكلة عصية في توفير هذه المبالغ اذا ما علمنا أن الصين تمتلك احتياطيا نقديا عالميا من العملات الاجنبية مقداره 3.37 تريليون دولار خلال عام 2020، وهذا سيكون عاملا مساعدا ومكملا في توفير الاحتياجات المالية لمشاريع البنية التحتية، فضلا عن ان ذلك سيكون فرصة لتشغيل هذه الاحتياطيات في السوق المالية العالمية، وانضمت 7 دول عربية الى البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية، إذ عمقت هذه التطورات التعاون الصيني العربي من خلال وثائق اضافت مفهوما جديدا للتعاون جعلت من الصين ثاني اكبر شريك تجاري للدول العربية ككل.
مستوى المعيشة
وأشار الريس الى أنه {خلال انعقاد الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى التعاون الصيني العربي في مايس 2017 في الدوحة أقر الاجتماع مواصلة تطوير العلاقات الودية بتشارك في بناء مشروع الحزام والطريق على أن يتولى صندوق طريق الحرير مهمة تمويل المشاريع في الدول التي يمر عبرها الحزام والطريق ومن ضمنها دول عربية، من المتوقع أن يوفر الصندوق حجما كبيرا من القروض للدول العربية من أجل تمكينها لتحسين البنية التحتية وخلق مناخ استثماري ناجح، كذلك استمرار دور البنك الآسيوي للاستثمار كأحد مؤسسات التمويل القائمة في تقديم المعونات والقروض الميسرة لتمويل المشاريع التنموية الرامية للتخفيف من حدة الفقر ورفع مستوى المعيشة في الدول المستفيدة من المشروع}.
التعاون المشترك
وبيَّنَ أنَّ {الكثير من دول منطقة الشرق الاوسط سعت الى إبراز دورها في نجاح المبادرة الصينية وأخذ مركز مهم على مسار الحزام والطريق، إذ قامت الكويت بتوقيع مذكرة تفاهم مع الصين في حزيران 2014 لتطوير التعاون المشترك بشأن طريق الحرير، وقامت قطر والصين في تشرين الثاني 2014 لتوقيع مذكرة لتعزيز التعاون المشترك بشأن طريق الحرير، وفي السياق نفسه سعت دولة الامارات لتفعيل الشراكة الستراتيجية مع الصين في كانون الاول 2015، تبعتها السعودية هي الأخرى لتوقيع مذكرة تفاهم في كانون الثاني 2016 للغرض نفسه، وكذلك فعلت مصر في كانون الثاني 2016، كما لم تغب ايران عن السعي لاحتلال مركز لها في المشروع طالما أن الصين ستستثمر مئات المليارات في انشاء طرق مواصلات جديدة وتم توقيع اتفاقية تعاون مشترك لتحويل ايران الى مركز ترانزيت للبضائع الصينية ريثما يتم تفعيل طريق الحرير، وتحظى هذه المبادرة بالنسبة الى تركيا بأهمية جيواقتصادية و جيوسياسية توفر لها فرصا اقتصاديا هائلة لزيادة حجم الصادرات وتنويع وتوسيع التبادل التجاري مع الدول التي يمر عبرها طريق الحرير، وانخرطت تركيا بهذه المبادرة من خلال مذكرة تفاهم وقعت في تشرين الثاني 2015 لربط تركيا بالصين عبر خطوط نقل برية اقليمية}.
يذكر أن أنقرة استقبلت بداية هذا العام اول قطار بضائع يستخدم الطريق الجديد الآتي من الصين وصولا في طريقه الى أبعد نقطة في غرب اوروبا (لندن) وستستغرق الرحلة مدة 18 يوما بدلا من الرحلة بالطريق الاعتيادي التي تستغرق شهرا كاملا، يبدو أن هذه الرحلة دليل نجاح المبادرة التي ستحقق مكاسب كبيرة لجميع الدول التي مرت عبرها خطوط السكك الحديدية}.
موقع العراق
وأكد الريس أن {أهمية ستراتيجية الحزام والطريق بالنسبة للعراق تأتي من أنها ستعيد إحياء دور العراق المحوري في المبادلات التجارية خلال طريق الحرير عبر التاريخ بالنظر لموقعه الجغرافي الذي يمثل الجسر الرابط بين قارتي آسيا واوروبا، ويرى بعض الاقتصاديين ان العراق يمثل قلب مشروع طريق الحرير البري والبحري على حد سواء، ويقدم المشروع للعراق فرصة ستراتيجية لتحقيق مصالحه الوطنية من الناحية الاقتصادية والتجارية كمعبر ترانزيت عبر أراضيه نحو قارة اوروبا ومنطقة بلاد الشام وبالعكس، ومن ناحية اخرى سيعزز المشروع للعراق التعاون الاقليمي والدولي وخلق علاقات الشراكة خاصة مع الدول التي تقع طول مسار الحزام والطريق كونه يمتلك مؤهلات التمركز الجغرافي للتحكم بخطوط النقل البري والبحري والجوي، إلا أن العراق لم يستثمر هذه الميزة وتوظيفها لخدمة مصالحه من قبل الحكومات السابقة التي اهملت تطوير خطوط السكك الحديد بحيث لم يعد لديه اي ارتباط بالسكك الحديد مع الدول المجاورة، في حين تشابكت خطوط السكك في اوروبا واسيا وافريقيا واصبحت شرايين اقتصادية منتجة وفاعلة تحقق الموارد المالية الهائلة عن جباية رسوم الخدمات التي تقدمها لعربات القطار، فضلا عن أجور نقل المسافرين والبضائع}.
منافع كبيرة
وقال: {تقدر وزارة النقل في دراسة أعدتها باسم مشروع الحزام الآسيوي عام 2017 أن حمولة قطار بضائع واحد تعادل حمولة 311 شاحنة مما يعني أنه يمكن الاستغناء عن 371 ألف شاحنة عاملة على الطريق، فضلا عن تعزيز السلامة وخفض الزحام المروري، كما ان هذا الحزام سيقدم منافع اخرى كبيرة للمجتمع من خلال توفير وسيلة نقل اقل كلفة واكثر سرعة وكفاءة مقارنة بنظيرتها من وسائط النقل الاخرى؛ مما يسهم في تطوير وتنمية قطاع النقل سواء للشركات العاملة في هذا القطاع وتحقيق فوائد اقتصادية للدولة، كما لا يمكن أن نغفل أن هذا المشروع يسهم بخلق علاقات ومبادلات تجارية بين العراق والدول كافة سواء كانت الدول الواقعة باتجاه اوروبا او الدول الواقعة باتجاه الصين وهذه ميزة أخرى تضاف الى الميزات التي سيحققها
المشروع}.
اتفاقيات ومذكرات
وبيَّنَ أن {العراق سعى لأخذ زمام المبادرة واغتنام الفرص التي يقدمها الحزام والطريق، إذ وقعت الحكومة العراقية مع نظيرتها الصينية خمس اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري والدبلوماسي والطاقة خلال زيارة رئيس الوزراء دكتور حيدر العبادي الى الصين خلال كانون الاول 2015 وتضمنت المذكرة الاولى المتعلقة بالمشاركة بإنشاء الحزام الاقتصادي وطريق الحرير البحري والبري للقرن الواحد والعشرين وكانت لدى الجانبين الرغبة في التشارك في دفع التعاون بشأن المشاركة في المشروع أعلاه، ومن خلال التوصل الى تفاهمات عدة أهمها؛ يعمل الجانبان من اجل تحقيق الهدف التنموي المشترك للبلدين من خلال تطوير وتعزيز الترابط والتواصل الاقليمي في ما بين مختلف الدول الواقعة على طول خط الحزام والطريق ودعم التعاون في مجالات المواصلات والاقتصاد والتجارة والاستثمار}.
وأوضح أن التفاهمات تناولت تعاون الجانبين بشأن السياسات الستراتيجية والتنموية، وطرق تفعيل التعاون في مجالات البنية التحتية والطاقة والصناعة، والتعاون العملي في مجال تخطيط وبناء مشاريع البنية التحتية، بما فيها المطارات والموانئ والكهرباء والاتصالات، وأبدى العراق نيته لإنشاء خط السكك الحديد الجديد للتعاون مع الجانب الصيني يربط العراق من الشرق الى الغرب على ألا يتحمل الجانب العراقي أي تكاليف لإنشائه عدا الموقع والأراضي التي يمر عليها خط السكك الحديد.
السكك الحديد
وأشار الريس الى أن مشروع خط السكك الحديد في العراق يتضمن عدة مسارات منها خطة السكة من منطقة الشلامجة في ايران ويدخل العراق عبر البصرة وصولا الى زاخو في شمال العراق ومنها الى تركيا، ومسار خط السكة من منطقة كرمنشاه في ايران ويدخل العراق عبر منفذ بدرة الحدودي في محافظة واسط وصولا الى ميناء العقبة الاردني، ومسار خط السكة من منطقة كرمنشاه ويدخل العراق عبر منطقة مهران - بدرة وصولا الى ميناء اللاذقية في سوريا، وكذلك مسار خط السكة من منطقة كرمنشاه ويدخل العراق عبر منطقة خانقين وصولا الى ميناء اللاذقية، ومسار خط السكة من منطقة كرمنشاه عبر الكوت – كربلاء - عرعر وصولا الى ميناء ضباء
السعودي}.
تقديرات الخبراء
وأكد الريس أن {الصين تولي اهتماما كبيرا في التشارك مع العراق لعدة أسباب أولها؛ أن العراق دولة غنية تمتلك حقولا نفطية كبيرة، وهذا ما دفع الصين الى التفكير في العمل والاستثمار في العراق، ويكون موطئ قدم لها؛ لأن الصين بحاجة كبيرة الى النفط وبحسب تقديرات الخبراء ستكون الصين اكبر دولة مستهلكة للنفط خلال السنوات القليلة المقبلة (2025)، وهناك اتفاق مبرم بين البلدين لاستخراج النفط من حقلي الأحدب والحلفاية، كما تم الاتفاق مؤخرا على قيام الصين ببناء ألف مدرسة في مختلف محافظات العراق، ومقابل هذا الاهتمام لا بد من توجه العراق للعمل على بناء علاقات قوية ورصينة مع الصين في المجالات كافة، وبشكل أساسي العمل على إبرام اتفاق مع الصين لمشاركة العراق في انشاء الحزام الاقتصادي وطريق الحرير للقرن الواحد والعشرين الذي من شأنه رفع مستوى التبادل التجاري بينهما الى مستويات عالية طموحة، فضلا عن المجالات الاقتصادية الاخرى}، لافتا الى انه {لدعم وتقوية هذه الشراكة من الضروري تحرك العراق نحو الانضمام الى البنك الاسيوي للاستثمار والذي يعنى بمنح القروض للدول الاعضاء في لتنفيذ مشاريع البنى
التحتية}.
البنى التحتيَّة
وأشار الريس الى أن {دولا عديدة سبقتنا بالتحرك نحو المباشرة بالجانب العملي لتهيئة مستلزمات البنى التحتية لخدمات الطرق البحرية والجوية والبرية، وعلينا ألا نراكم الفرص الضائعة في التحول نحو الجانب العملي والتنفيذي للمشروع رغم أن الجهات المعنية كافة سواء الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، وكذلك مراكز الفكر الستراتيجي القطاع الخاص قد حسمت رأيها بضرورة مشاركة العراق في الطريق والحزام كونه أحد
أهم الخطى نحو تنويع مصادر الدخل
الوطني}.