الثوب الأزرق

ثقافة 2022/01/26
...

ستار كاووش

لوحة اليوم هي (الثوب الأزرق) للفنان  البلجيكي ألفريد ستيفنس(1823-1906) والموجودة في متحف بوفري بمدينة لييجه البلجيكية، والتي تظهر فيها إمرأة بلباس ياباني أزرق مليء بالزخارف، تنظر إلى مرآتها بغنج وحيرة ممزوجة بذهول، وتلف شعرها الأحمر إلى الخلف كما تفعل اليابانيات.
يظهر في جانب اللوحة الأيسر جانب من الإطار المزخرف للمرآة، بينما تمتد بعض الزهور من مزهرية في الجانب الأيسر وتمضي للأعلى، لتنحني برفق وهي تحيط المرأة لتوازن شكل الإطار.
تتطلع المرأة في المرآة وهي تميل رأسها نحو يسار اللوحة بينما تتدلى من يدها مروحة يابانية تكمل المشهد وتوازن حركة الرأس.
لونان رئيسان في اللوحة هما اللون الأزرق في لباس الكيمونو، يقابله اللون الأحمر لشعر المرأة ممزوجاً بلون المرآة الأوكر، وهنا يمكننا أن نتتبع حركة الفرشاة الغنية الطيعة، ونتحسس نعومة المرأة المترفة، طيات الملابس وزخرفتها وباقي التفاصيل الممتعة التي تشع وتملأ المكان.
يضع مؤرخو الفن ستيفنس في منطقة بين كوربيه ومانيه، وليس مصادفة ارتباطه بصداقة متينة مع كليهما، ويؤكد ذلك رسم كوربيه بورتريتاً عظيماً له، كذلك تواصله الدائم مع مانيه في مقهى غوربو، وهو المقهى الذي استهلَّ فيه الانطباعيون اجتماعاتهم في بداية ظهور الانطباعية.
وقد حَثَّ ستيفنس وقتها بعض تجار الفن على اقتناء أعمال مانية وبعض الانطباعيين. 
إضافة إلى موهبته الفريدة، كان هذا الفنان شخصاً ودوداً وذكياً ويحمل روح الدعابة والمرح، تحيطه حياة فاخرة، حيث جمع صحبة صديقه الروائي أميل زولا، التحف والأكسسوارات اليابانية العصرية، وأدخَلَ في لوحاته لباس الكيمونو (كما في هذه اللوحة) والمظلات والمراوح وفواصل الغرف المزخرفة.
إنْ كان هناك تصنيف لهذا الرسام، فهو رسام المشاهد اليومية والحياتية بامتياز، حيث مشاهد البيوت من الداخل , الغرف والمطابخ، الفنادق الصغيرة، الأسواق، ورسم ناس غير معروفين أو عابرين أثناء عملهم.
وقد اهتم في لوحاته بالتصميم الداخلي للبيوت، وتخللت مواضيع ومناخات أعماله أجواء الرومانسية والمكائد ورسائل الحب والأخبار الملفقة، الفقر والغنى والموديلات الجميلة داخل المرسم، كذلك الحياة الاجتماعية للناس الأثرياء. 
حصل ستيفنس أثناء حياته على اعتراف كبير بفنه وتأثيره وحصلَ على أرفع الميداليات وأهم الجوائز، وبعد وفاته امتدَ تأثير أعماله من أوروبا إلى أمريكا ومناطق عديدة من العالم، إذ مازالت لوحاته المليئة بالعذوبة، حاضرة في عشرات المتاحف ويتمتع بها ملايين الناس في العالم.
 لكنه رغم ذلك عانى في سنواته الأخيرة من محنٍ كثيرة، حيث سقط وهو يعلق إحدى لوحاته، وأصيب بكسر لم يشف منه أبداً، ولم يقوَ بعدها على الرسم، وقد تركته زوجته وأولاده وهو حبيس الكرسي المتحرك، لينتهي الأمر بأن يجلب له الجيران بين وقت وآخر طبقاً من الحساء يسد به رمقه.