الروائي المحايد في سرده

ثقافة 2022/01/27
...

 ابراهيم سبتي
 
الكاتب بشر، مثل أي شخص آخر يمتلك موفور الأحاسيس والمشاعر والحب والكره.. لديه الموازين والمعايير للأشياء التي على ضوئها يتصرف في حياته العامة كما يتصرف في نصه، إذن هو بشر أولاً وأخيراً.. ولكنه هل يستطيع ان يكون محايدا في سرده وأن لا يتماهى مع شخصياته؟ بلا شك انه في صراع ونزاع وعراك مع ذاته أثناء الكتابة ورسم الشخصيات. 
فقد يعطي إحدى شخصياته دفقة قوية من خصوصياته ومن دواخله وما يفكر به. فتنعكس تلك المشاعر على الشخصية انعكاساً كاملاً فتتلبس ذات الكاتب رغماً عنه وربما من دون أن يعلم بانه وضع نفسه في تلك
الشخصية. 
فنجد أنه يعاني مثل أي إنسان آخر، من كراهية معينة لشخص ما أو حالة معينة، فتتلبسها الشخصية فنراها تحب هذا الشيء أو ذاك الانتماء السياسي أو العقائدي أو الديني وهو ما يفكر ويشعر به الكاتب
نفسه. 
أعتقد أن هذا التلبس والتمثيل، من حق الكاتب وهو يرسم شخوصه ومن دواعي تحقيق قوة في السرد ومنحه رشقة دافعة لأجل صنع دينامية وانفعالا واشاعة عوالم من التخيل والانفتاح في مغاليق
السرد. 
إن انفعالات الروائي ومشاعره المتأججة وأحاسيسه المرهفة ووعيه وإدراكه المنثالة على الورقة، ما هي إلا نوع من أنواع انتزاع الدواخل الذاتية وسكبها داخل السرد من دون ترتيب أو تأويل او تفكير مسبق بدلالة انا الكاتب المضخمة التي تطارد أي كاتب. 
لا يمكن أبداً أن نمنع الروائي من وضع الأنا داخل نصه لأنه بصراحة لا يسبب حرجاً أو ضعفاً في مجريات السرد أو إلى شخصية الكاتب ومهارته وموهبته. لأن كل بوح هو انفعال وانهمار وإراقة للأفكار في بنية السرد التي تحوي انفعالات ومشاعر غير مخطط لها وقد تكون نابعة من المخيلة لا أكثر ولكنها تتطابق مصادفة مع دواخل الكاتب نفسه وهي ليست تهمة او نوعا من الزعم أو الظن توجه
للكاتب. 
إن أكثر السهام النارية الجارحة تتوجه دائماً إلى كاتب الرواية مهما كان مستواه أو مدى عمق تاريخه أو حجم اسمه. ومهما كان الروائي يمتلك تاريخاً واسماً فإن تلك السهام تتوجه إليه مباشرة حتى من دون أن تنفتح أسرار النص أو يُقرأ أو يتداول بين
القراء. 
إنها محنة كبيرة تواجه الكاتب والأديب عموماً والروائي بشكل خاص. فهو حائط الصد أو ميدان الرمي الذي يتوجه إليها كل من يرغب في تجربة قدرته على الرماية. الامر الذي يؤدي احيانا الى خشية بعض الكتاب من المواصلة فيؤثر الانسحاب، في ما يستمر البعض الآخر وباندفاع ومضي بالسير في المشوار الإبداعي رغم أن السهام تتوالى على صدره إلا أنه يصدها بقوة إرادته وصبره وموهبته
وتميزه. 
وقد يُحارب الروائي لمجرد أنه يختلف مع أي واحد من المتربصين أو أنه يسير بحياته وكتاباته بصورة محايدة من دون المساس بأية حالة يعتبرها الجمهور القارئ من الخطوط الحمر. لأنه يدرك أن المساس بأي حالة قد يخلق أعداء لا يفترض به فعل ذلك، ولذا فهم يصبون نار غضبهم على سرده ونصه الروائي فيسقط نصه جماهيراً أو هكذا يعتقدون. بل بالعكس أرى أن هذا النص سوف يصعد وينتشر لأننا بطبيعتنا البشرية نحب الاطلاع على كل حالة تصوب نحوها سهام الرفض
والقطيعة. 
إن المؤلف، الذي يعكس محتواه ومكنونه الداخلي على إحدى شخصياته، لهو أمر طبيعي ولو اطلعنا على روايات نجيب محفوظ مثلاً سنجد أن أغلبها عكست شخصية محفوظ من خلال إحدى الشخصيات فيحاول ايراد بعض المفردات والعبارات التي يؤمن ويفكر بها. وهذا ليس خروجاً عن تعاطي الكتابة الروائية بل على العكس أجدها تمنح الشخصية حالة من الصدق واليقين والوضوح النابعة من دواخله، فيعكس حالات من الحب والكراهية والمرارة والإحباط. 
إنها إحدى روافد الروائي الذي يريد لنصه التميز والتفرد ومنحه حالة من الانتشاء التي يشعر بها وهو يرى نفسه متقمصاً إحدى شخصياته، وهو بلا شك لن يكون محايداً في رسم شخصياته وتوزيع الانفعالات والمشاعر في ما
بينها.