متابعة وتحرير: أحمد الموسوي
يخيِّم شبح الحرب الباردة على أوروبا من جديد، المشهد تأزم عقب نشر روسيا 100 ألف جندي على حدودها الغربية مع أوكرانيا خلال شهر تشرين الثاني 2021، أعقب ذلك فشل المفاوضات الروسية– الأميركية التي عقدت هذا الشهر في بروكسل. عنوان الخلاف في جوهره، يتمثل بمطالبات موسكو بـ"الضمانات الأمنية"، التي ظلت عنواناً مفتوحاً بدون تحديد واضح لماهية الضمانات التي يبحث عنها الجانب الروسي، لتنتقل موسكو إلى مرحلة تحديد مفهوم "الضمانات الأمنية" الذي لخصته برفضها القاطع المساعي الأميركية لضمِّ دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى حلف الناتو، إضافة إلى تعهدات تقدمها واشنطن بعدم نشر قوات عسكرية موالية لها في هذه الدول، الأمر الذي، كما يبدو، لم توافق عليه الولايات المتحدة، ما أدى إلى فشل قمة بروكسل وعودة الوفود المفاوضة بدون التوصل إلى اتفاق.
روسيا تستخدم سلاح غازها بوجه الأوروبيين
تعتمد أوروبا بصورة أساسيَّة على استيراد الغاز السائل من روسيا في سدِّ حاجتها للتدفئة خلال فصلي الشتاء والربيع، حيث تزود روسيا ثلث الحاجة الاوروبية للغاز الطبيعي، وقد نمت مكانتها كمورد للغاز مع تراجع الإنتاج المحلي للقارة، إذ انخفض الإنتاج في هولندا، التي كانت في يوم من الأيام منتجاً رئيساً للغاز في الاتحاد الأوروبي، بشكل حاد عندما أغلقت الحكومة الهولندية تدريجياً حقل غرونينغن الضخم استجابة للزلازل الناجمة عن إنتاج الغاز.
وتزداد الأهمية للغاز الروسي بعد إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في دول مثل ألمانيا من أجل تلبية الأهداف البيئية، وعلى الرغم من استثمارات أوروبا الكبيرة في الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإنها لا تزال بحاجة إلى مصادر إمداد تقليدية.
هذا السلاح هو أحد أخطر الأسلحة الاقتصادية التي تُدرك جميع الأطراف أهميتها وعلى رأسها الولايات المتحدة، إذ أعلنت إدارة بايدن أنَّ "روسيا قيدت بالفعل تدفق الغاز عبر أوكرانيا من نحو 100 مليون متر مكعب في اليوم إلى 50 مليوناً".
وكبديل في حال توقف الإمدادات الروسية بصورة تامة، تستعد الولايات المتحدة لتحويل إمدادات الغاز الطبيعي من جميع أنحاء العالم إلى أوروبا في محاولة لتخفيف أقوى سلاح اقتصادي لفلاديمير
بوتين.
ويذكر مسؤولون أميركيون أنهم كانوا يتفاوضون مع موردين عالميين، وهم الآن واثقون من أنَّ أوروبا لن تعاني من فقدان مفاجئ للطاقة اللازمة للتدفئة في منتصف الشتاء.
التحشيد لتوصيل إمدادات الغاز السائل هو جزء من حملة أطلقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لإظهار جبهة موحدة ومتماسكة أمام الرئيس بوتين على أمل ردعه عن اجتياح أوكرانيا.
وبينما أعلنت الولايات المتحدة عن تفاهمات بهذا الخصوص مع بعض الدول في الشرق الأوسط، وعلى رأسها قطر، أعلنت أستراليا أنها تدرس توريد الغاز الطبيعي السائل بكميات إضافية إلى أوروبا بعد أن أثارت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مخاوف من أنَّ اعتماد القارة على روسيا يجعلها عرضة للخطر في مواجهة متزايدة مع فلاديمير بوتين.
وذكر وزير الموارد الأسترالي كيث بيت أنَّ أستراليا "مُصدّر عالمي رائد وموثوق للغاز الطبيعي المسال، وعلى استعداد للمساعدة في أي طلب لمزيد من الإمدادات".
ما التحركات العسكريَّة
الحاليَّة قرب الحدود
الروسيَّة – الأوكرانيَّة؟
بعد خطوة نشر مئة ألف جندي، أعلنت روسيا سلسلة تدريبات عسكريَّة، من المحيط الهادئ إلى الجناح الغربي للبلاد بالقرب من أوكرانيا، بما في ذلك التدريبات المشتركة مع الأسطول الصيني في بحر العرب. إذ نشرت القوات الروسية مركبات مدرعة ثقيلة وغيرها من المعدات لتُطلق تدريبات مشتركة مع القوات البيلاروسية. في شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا في 2014، كما شرعت الدبابات الروسية بتدريبات إطلاق نار مخطط لها.
في المقابل أرسلت الولايات المتحدة أول شحنة أسلحة وصلت إلى مطار بوريسبيل الدولي في العاصمة كييف، الشحنة تمثلت بـ 300 صاروخ نوع "جافلين"، وأسلحة هجومية متعددة الأغراض محمولة على الكتف، إضافة إلى مخازن للتحصينات العسكرية. وفيما يتواجد نحو 200 جندي أميركي يقومون بأعمال التدريب وتقديم المشورة للقوات الأوكرانية، كشف مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لصحيفة "واشنطن بوست"، عن أنَّ "8500 فرد عسكري أميركي وُضعوا على الاستعداد وقد يكونون مجرد نقطة انطلاق"، موضحين أنَّ "القادة الأميركيين يمكن أن يعيدوا تمركز بعض القوات البالغ عددها 64 ألف جندي متمركزين بشكل دائم في أوروبا". وأوضحت مصادر البنتاغون التي اشترطت عدم الكشف عن هويتها أنَّ "من المتوقع أن تكون عناصر من الفرقة 82 المحمولة جواً، والفرقة 101 المحمولة جواً من بين الوحدات الأولى المرسلة إلى الجناح الشرقي لحلف الناتو إذا أصدر بايدن
الأمر".
هل ستشق ألمانيا صفَّ حلف
الناتو الموحد؟
تتحرّك الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو لزيادة التزاماتهم العسكرية في دول البلطيق وأوروبا الشرقية مع تعمق المواجهة مع روسيا بشأن أوكرانيا.
حيث ترسل الدنمارك طائرات مقاتلة إلى ليتوانيا وفرقاطة إلى بحر البلطيق، بينما عرضت فرنسا إرسال قوات إلى رومانيا. وتقوم إسبانيا بإرسال فرقاطة إلى البحر الأسود. بينما وضع الرئيس بايدن آلاف القوات الأميركية في "حالة تأهب قصوى".
وتأتي المعضلة الألمانية، ففي الأيام الأخيرة، أكدت ألمانيا- أكبر وأغنى ديمقراطية في أوروبا، بموقع ستراتيجي على مفترق طرق بين الشرق والغرب- أنها لن تفعل أكثر مما تفعله.
لا توجد دولة أوروبية أكثر أهمية للوحدة الأوروبية. لكن في الوقت الذي تكافح فيه ألمانيا للتغلب على إحجامها عن القيادة في شؤون أوروبا الأمنية، وتنحي جانباً غريزتها لاستيعاب روسيا بدلاً من مواجهتها، فإنَّ الدولة الأوروبية المحورية قد هُزمت في أول اختبار حاسم للحكومة الجديدة للمستشار أولاف شولتز.
يثير تردد ألمانيا الواضح في اتخاذ تدابير قوية الشكوك حول مصداقيتها كحليف، وزاد من المخاوف حول إمكانية أن تستخدم موسكو التردد الألماني كإسفين لتقسيم رد أوروبي موحد على أي تحرك روسي.
وأجرى الرئيس بايدن مكالمة فيديو مع القادة الأوروبيين ليلة الاثنين الماضي، قائلًا: إنَّ الأمر سار "بشكل جيد جداً جداً جداً"، وأكد المستشار السابق شولتز أنَّ روسيا ستتكبد "تكاليف باهظة" في حالة التدخل العسكري. لكن حلفاء ألمانيا ما زالوا يتساءلون عن التكلفة التي ستتحملها روسيا بسبب
ألمانيا.