مونيكا علي.. عاهات المجتمع البنغالي

ثقافة 2022/01/30
...

  إسكندر حبش
قد يكون من الصعب جدا على المرء، أن يبدأ حياته ككاتب رواية، تحت “طالع السعد” أو تحت أفضل الإطراءات الممكنة. في واقع الأمر، وحتى قبل صدور روايتها الأولى رسميا في العام 2003، التي جاءت بعنوان (Brick Lane)، (صدرت بالعربية بعنوان شارع بريك لين سلسلة ابداعات عالمية......) اختيرت الكاتبة مونيكا علي من قبل لجنة تحكيم مجلة “غرانتا” الأدبية، الشهيرة، كي تحضر في قائمتها التي أعدتها عن أفضل عشرين روائياً بريطانياً خلال العقد الأخير.
 
مونيكا علي من أب بنغلادشي وأم إنكليزية، لم تعش طويلا في «داكا» حيث ولدت العام 1967، بعد أن اندلعت الحرب الأهلية هناك العام 1971، رحلت أسرتها إلى إنكلترا بشكل نهائي كي تستقر هناك، ومع ذلك، جاءت ذكريات والدها عن مسقط رأسه، لتهدهد طفولة الفتاة الصغيرة، التي نشأت و«تغذت» من هاتين الثقافتين، ثقافتين قد تكونان إما نبع غنى وتنوع وإما نبع حزن يدفع المرء إلى أن يشعر بأنه خارج مكانه الطبيعي، وذلك وفق الحالة التي يعيشها، إذ إن هذه الظاهرة تشكل اليوم في إنكلترا أدبا وافرا، تتعدد أسماؤه، لدرجة أن العديد من النقاد يتحدثون عن الأدب الإنكليزي الذي يكتبه أطفال المستعمَرين السابقين، والذي يحظى اليوم «بشعبية 
كبرى». من هنا، لا تشذ حالة مونيكا علي عن حالة حنيف قريشي أو زادي سميث في روايتها الأولى «أسنان بيضاء»، إذ إنها تستثمر «ثيمة» إنكلترا المتعددة الأعراق والصعوبات التي اعترضت الجيلين الأول والثاني من المهاجرين. 
إلا أن الكاتبة، هنا، تعالج ذلك بنظرة مختلفة عن تلك التي عالج بها أقرانها السابقون، نجدها تنظر إلى ذلك من بعد وتقول على لسان بطلتها: «علينا أن نتكبد مشقة ما لا نستطيع تغييره. وبما أنه لا شيء يتغير، علينا أن نتحمل مشقة كل شيء. لقد أصبح هذا المبدأ قانون وجود. إنه في الوقت عينه حالة روحية وتحدّ».
  تتحدث رواية «شارع بريك لين» عن نازنين، الشخصية الرئيسة، التي اعتبرت لحظة ولادتها، كائنا ميتا، عياديا، لكنها تبقى على قيد الحياة، على العكس من كلّ التوقعات. 
هذه المشكلة التي عرفتها، لعبت الدور الكبير في تشكيل طبائعها وقادتها في ما بعد إلى أن تقبل، بعد سنوات، ومن دون أي تردد، الزواج المدبر الذي فرضه والدها عليها. 
إزاء ذلك، تغادر نازنين بلدتها، في بنغلادش، لتذهب إلى لندن كي تتزوج من شانو. 
هناك تحيا وحيدة في هذا البرج الذي سكن فيه الزوجان، لم تشعر في البداية بأي جاذب لهذا الزوج الذي كان يكبرها بعشرين سنة، الثرثار بشكل لا يوصف، والسخيف في غالب الأوقات. 
ومع ذلك كان شانو يراكم الشهادات الجامعية على أمل – وإن كان في الواقع أملا عبثيا – أن تسمح له معرفته ودروسه بأن يصعد سلّم المجتمع البريطاني. الرابط الوحيد الذي احتفظت به نازنين مع مسقط رأسها كان الرسائل المتبادلة مع أختها حسنة. 
إلا أن أختها هذه، اختارت «الثورة» على التقاليد، إذ هربت مع عشيقها كي لا تعرف المصير نفسه، ما جلب لها العار والرفض الأسري.
على مرّ السنوات، تعرف نازنين التي أصبحت أماً بعض الشجاعة، تتعرف على صديقات، وتتخذ عشيقا وتتعود كثيرا، في النهاية، على الحياة في إنكلترا، متبعة بذلك مسارا معاكسا للمسار الذي عرفه زوجها، الذي رأى أن أحلامه ذهبت سدى وأنه لم يتم الاعتراف بقيمته الحقيقية، فبدأ يعيش على أمل العودة إلى بلاده ومسقط 
رأسه. 
كانت رؤيته المثالية لبنغلادش تقف على تضاد كلي مع واقع حياة حسنة التي دفعت غاليا ثمن إرادتها في الاستقلالية في هذا المجتمع الذي يلتهم بشكل كبير حقوق النساء.
إذا كانت مونيكا علي تشير إلى عاهات المجتمع في بنغلادش كما إلى نقاط ضعفه، فإنها في الوقت عينه تعرف كيف تشير إلى هذه اللا عدالة الإنكليزية وإلى العنصرية التي تتحكم في المجتمع البريطاني، لتدرس من خلال ذلك ظاهرة التثاقف المعقدة.
مليئة رواية مونيكا علي بالأفكار، التي تعرف كاتبتها كيف تقدّمها بحساسية عالية وبحنان. حين صدرت الرواية بلغتها الأصلية، رغب النقد الأنغلوفوني في أن يرى بمونيكا علي زادي سميث أخرى. قد يدفع هذا المديح إلى المقارنة بين الكاتبتين. 
فلو تحدثنا عن ذكاء الطروحات، لقلنا إن مونيكا تشبه زميلتها من دون أدنى شك، لكن لو تحدثنا عن الأسلوب، لوجدنا أنها لا تملك هذه السمة المتوقدة التي ميزت أدب سميث. فعلي لا تلعب باللغة أبدا، بل تستعملها بفرادتها الكبيرة. وربما كان هذا الأمر، المأخذ الوحيد الذي نجده في هذه الرواية، الممتازة في جميع الأحوال.
 
 
(كاتب من لبنان)