مازن الرفاعي.. ضوء المادة والمدينة

ثقافة 2022/01/30
...

 يقظان التقي 
 
تعبيريَّة خاصة ودافئة جداً نهايات سلالم لونيَّة وبدايات أشبه بصوفيَّة لونيَّة. جدران تغفو على جدران في بيروت التي صارت بلا جدران وبلهفة الضوء.
زوايا لوحة مثل الجرح العاطفي الذي يبحث عن شخوص المكان. لوحة مسكونة بحالات إنسانيَّة وباسترهافات موحية في ضوء المادة والمدينة في تجديدٍ مشحونٍ بالحدس والشعور والاتصال الإنساني.
يأخذك مازن كرباج الى زاويته وخطوطه واسترهافاتها وما وراء الخطوط وبتلك «الدكنّة» اللونيَّة والمساحات الخاصَّة من التعبير الداخلي وبحركيّة لونيَّة داخل فكرة الرسم.
هندسة لونيَّة ثابتة في ضوء المادة والمدينة. الرسم استعارة من الهندسة، والهندسة استعارة من الرسم بطريقة مرنة وحالمة تدخله في صوفيّة شاعريَّة داخل عمارته المسكونة بالألوان، والألوان تولد هيئات تكتنز إشاراتها بحساسيَّة الواقعيَّة التعبيريَّة.
تجديد مازن الرفاعي مشحونٌ بالحدس والسكون والاتصال الإنساني، في زاوية عرض رمزيَّه في غاليري «أجيال» لصاحبه صالح بركات تلتقط إشارات المدينة بيروت واجتماعها المعاصر.
فنان نضر، أنيق، يملك حساسيَّة التجريب والتمثيل في الألوان ويحمل أفكاره على الجدران، جدران تغفو على جدران المدينة في بنائيَّة لونيَّة تتطور الى ما خلف الخطوط، الى رؤية ما وراء الخطوط، رؤية الأشياء، ملامح الأشياء، ملامح الهيئات ويعطي صمتها وسكونها وبرودتها حرارة الانتماء الى مدينة، الى الواقع في تقاطعات الرسم وحضوره التجريدي وبضوء يتحرك بدون جدران، خلف الجدران، حتى خارج الزجاج.
هو مازن الرفاعي في ميوله الواقعيَّة وأبحاثه التجريديَّة وبتلك الغنائيَّة والحساسيَّة مع انزياحاتها التكعيبيَّة. يتحرك بإيقاعات تقترح حضورها وأعماله تشكل في مجموعها مشروعاً توثيقياً لجماليات كلاسيكيَّة ما عادت ممكنة لا في مدينته بعلبك، ولا في مدينته بيروت إلا إذا عبرت حدودها الى حياة واقعيَّة كعالمٍ يولد من ألوانه، من أرضه ما يكرس حيوات الرسم. ومن مراقبة ألوانه وهي ليست نافلة للواقع فقط، إذ يبرز رسمه قيمة لخلق تآلفات، اندماج خطوطه الواقعيَّة ولا يتوقف عن إدهاش المشهد بطاقة تعبير سوسيولوجيَّة جاذبة على السطوح. وما وما خلف السطوح والأشكال وتجريدها وتنزيهها عن النفاذ.
لعبة الألوان تشكل مسرحاً بأحكامها المكونة لعلاقات إنسانيَّة تتحرك قوية مقابل هندساته الواثقة ونظراته الزائدة في تجريد ألوانه وملاقاتها على طرقاته الفرعيَّة، تكرس في الرسم العودة من المجتمع الصناعي الى الحياة البسيطة والشاعريَّة وبقراءة توسعيّة للون والمادة، لا تقرأ نصه أدبياً، بل نص لوني مركب من الألوان وظلالها، ومن ملامح الأشياء ويلعب لعبته بهندسة مركبة من مجموع أصوات تشكيليَّة خافتة، جاذبة لها شخصيتها اللونيَّة ولا يعد بوسعك تركها، تنقلك الى مكانٍ آخر في مواجهة اجتماع السطوح اللوني وتراصفها الطبقي الغامض والأخاذ.