الرؤية الأفقيَّة

ثقافة 2022/01/31
...

 محمد يونس محمد
 
اذا كنا قد سلمنا بأن الرؤية الأفقية للعالم الحديث هي تشكل مجموعة حشد من المعلومات، فلا بد أن نقر بأن الرؤية الأفقية للعالم البدائي هي كحشد هائل من الفراغ، وهذا التفاوت العظيم سنسعى من خلال بعد الفيلولوجيا تفسيره لنكسب عبر المقارنة نتائج مجدية.
بداية نعترف بأن الرؤية الأفقية للعالم كانت منذ فجر البشرية الأول وما زالت لم تتغير أو تتأثر، فالبعد المشهود للحياة هو أرجح من البعد المشهود في التفسير، وهو مثال الحقيقة البشرية الأساس، وأنموذجية العالم تتمثل في تلك الحقيقة الحتمية، ولا نختلف إذا قلنا إن العالم هو واحد رغم تعدد الأجناس والأعراق والملل، ومن بداية الحياة والعالم يفسر نفسه بنفسه، وحتى في الجانب الفينومينولوجيا فإن الاختلافات قليلة النسب، حيث المعنى العام يهمن ويقلل صيغ الاختلاف. 
ماهية العالم ليست وظيفة، وهذا ما جعلها فلسفياً تختلف في التفسير من وجهة نظر إلى أخرى، فمن الطبيعي أن تختلف مراحل التفسير الفلسفي، لأنها في سيرورة تتوالى عبر مراحل تختلف زمنياً، وتختلف كذلك أطر التاريخ والحضارة، في المقابل فإن مثالية العالم التي انحسرت وازدهار واقعية المنهج العلمي كان له الأثر في اختلاف وجهات النظر.
العالم منذ الصيرورة وحتى سيرورة التاريخ والحضارة هو واحد لم ينشطر، والرؤية الافقية للعالم صارت تتأصل بمرور التاريخ وتكتسب المعنى الاصيل الذي يمنحها الطاقة المناسبة، وما انشطر إلّا المقومات الحداثية للعالم، فإن الأزياء كمثال جانبي نسبقه على الايديولوجيا، قد مرت بعدة انشطارات غيرتها من شكل إلى آخر، هذه الانشطارات شكلية طبعا لأنها تتعارض مع نظام الحداثة، لكن لأن المفهوم العام للملابس لم يتغير، فإن تلك التغيرات ليست ذات أهمية كبرى على رصانة نظام الحداثة. 
 تاريخ الملابس لا نحيله إلى أول خياط عرفته البشرية حسب المؤشرات الميثولوجية وهو ادريس، بل نبحث عن دليل لنا قد يكون في تفسيره المضموني أقرب لبعد حداثي شكلته ملابس الفرد البدائي، والفرد البدائي هو الظاهرة المجهولة والتي هي أكثر أهمية في التوجه الفكري نحوها، وتفكيك تلك الظاهرة المجهولة التي كأقصى وحدة بشرية في الكون.
رؤية العالم لنفسه لا يمكن أن تقاس، وكما لا يمكن الاحاطة بها، فهي حالة جوهرية صرف، ولا نحتاج الادلة النوعية ايضا لنصل إلى تفسير العالم لنفسه بأي حال من الأحوال. 
من الطبيعي أن العالم لا يفسر نفسه إلا بنفسه، وهذا لا يكون في الوعي بل في اللاوعي، ومن ثم يمكن اكتسابه فكرياً، وطبعا الانموذج الاساس للعالم هو الفرد البدائي، والذي منه تنطلق وتكتسب فكرة سيرورة العالم حقيقتها حيث لا سيرورة بلا صيرورة والا تكون منقطعة وهذا يعني أنها نتاج العدم، لذا فمن الطبيعي أن العدم لا ينتج سوى الفراغ، وحتى الهواء مفرغاً منه، واذا كان الفرد البدائي حسب التفسير الاخلاقي انموذج العالم الراقي، فإن فرد الحداثة وما بعدها ما هو الا الانموذج المشوه للعالم، فالفرد البدائي نقي السريرة وسليم الفطرة، والفرد الممثل للحداثة أو ما بعدها ملوث إلى حد كبير، وكما الإنسان بمعناه السامي ببريق واصالة عند الفرد البدائي، وفي فرد الحداثة وما بعدها انعدم تماما وضاع، لكن رغم آلاف الادلة، نحن ننشغل عنه باللهاث وراء الحاجات.