فتاة لا يعرفها أحد

ثقافة 2022/01/31
...

ستار كاووش

يمكننا القول بكلِّ بساطة إنَّ هذه اللوحة هي الأكثر شعبية في هولندا، فقد جرى استفتاء في هذا البلد واختارها غالبية الناس كأكثر لوحة يحبونها وقريبة لقلوبهم. فمن هي هذه الفتاة التي رسمها يوهانس فيرمير (1632 - 1675) وهي تتزيَّن بقرط اللؤلؤ؟ كثرت الأسئلة عن أصلها، لكن ليس هناك جواب يكشف عن اسمها وماهية هذه الفتاة التي تنظر لنا منذ قرون بوجهها الجميل.
بعضهم قال إنها الخادمة التي تعمل في بيت الرسام، وآخر ذكر أنها موديل رسمها الفنان في بعض لوحاته، ومؤرخ يقول إنها جارة الرسام، ووجهة نظر تقول إنَّ هذه الفتاة هي ابنة فيرمير ذات الاثني عشر عاماً، لكن كل هذه الافتراضات ليس لها أيّ دليل، بل هي غير صحيحة، والأكيد الآن أن هذه الفتاة مجهولة وربما ليس لها وجود على الإطلاق، لأنَّ فيرمير من الممكن أن يكون قد رسمها من مخيلته المليئة بالكثير من الأشكال والصور والحلول التشكيلية.
وحتى عنوان اللوحة المعروف الآن (فتاة مع قرط لؤلؤ) ليس الاسم الأصلي لهذه اللوحة، وقد اكتسبت هذا الاسم سنة 1995 وكانت لقرون عدة تسمى (فتاة مع ربطة رأس)، وفوق هذا اكتشف الخبراء سنة 2014 أنَّ القرط المرسوم في اللوحة ليس لؤلؤاً، ليزيد ذلك من غموض اللوحة ويُكثِرَ الحكايات التي تدور حولها. مع ذلك أبقوا على اسم اللوحة لأنه رسخ الآن في ذهن عامة الناس. 
تلتفت الفتاة نحو الرسام بعينين مشرقتين ونظرة ودودة مع التماعة في شفتيها الرطبتين، وفي وسط اللوحة تتضح ربطة الرأس بأزرق الأولترامارين وعليها آثار الفرشاة التي تشير إلى أنَّ فيرمير قد رسمها بألوان طرية من دون انتظار جفافها. ينسدل جزء من ربطة الرأس بانسيابية على ظهر الفتاة، مثلما ينهمر الضوء من الزاوية العليا اليمنى ويستقر على ملامحها الطفولية، في حين يلتمع قرط (اللؤلؤ) وسط اللوحة، أما الخلفية التي تبدو سوداء، فقد كان فيرمير قد رسمها باللون الأخضر، لكنها أصبحت أكثر عتمة مع مرور الوقت.
يعد فيرمير واحداً من أعظم ثلاثة رسامين في تاريخ هولندا إضافة إلى ريمبرانت وفرانس هالس. وقد أنجزَ لوحات قليلة جداً وصغيرة الحجوم مقارنة بالعملاقين الآخرين، لكنه رغم ذلك يعد أكثر فنان عكس الروح الهولندية وأجواء البيوت والأماكن في الأراضي المنخفضة، ولاسيما تلك التي رسم فيها بيوت مدينة دلفت التي وُلد فيها وقضى كلَّ حياته. فحين تتأمل البيوت التي رسمها، تظنه يعرف كلَّ حجر وتفصيل وملمح فيها، حتى تكاد تشمّ العطر القديم للمدينة وتستحضر معه روحها ونكهتها وفلاحاتها المعطرة أيديهن بالحليب وطعم الخبز. 
في هذه اللوحة تجتمع البساطة والتعبير وقوة الأداء، وهي اختصار لكلِّ عبقرية هذا الفنان العظيم. وقد صدرت الكثير من الكتب حول هذه اللوحة، كذلك هناك فيلم عنها ومجموعة من الأغاني التي تتحدث عن السيد فيرمير والفتاة الغامضة صاحبة قرط اللؤلؤ.