مثقف الطائفة

العراق 2022/02/02
...

أحمد عبد الحسين
 
الإنسان ليس هويته، بداهة كبداهة أن الاسم غير المسمّى. ومن يسوقه الوهمُ إلى رؤية ذاته وهويته بوصفهما شيئاً واحداً يغامر في جعل نفسه متطرفاً مدافعاً عن اسم اختاره له متنفذون أقوياء نصبوا أنفسهم سدنة للهوية وحراساً لها. ذلك أنّ تاريخ كلّ فكرة وقيمتها هو تاريخ من يستثمرها ويصرفها ويستفيد منها، وقد تكون فكرتك المقدسة هي كل رأسمالك الرمزيّ لكنها في ذات الوقت الرأسمال الماديّ لمن يوجهك ويوجهها حيث يريد.
الثقافة هي الخطوة التي يتعيّن على المرء أن يخطوها ليعبر آمناً من أرض الهويات هذه، أرض الفخاخ التي ينصبها السدنة المستعدون لتحويل كل مقدس إلى حساب مصرفيّ.
لا يستحق المثقف اسمه إلا حين يكون بينه وهويته الجمعية مساحة للتأمل وإعمال النظر والانتقاد وكشف خداع وزيف المسلّمات. المثقف ليس متماهياً مع هويته ولا هائماً بها، قد يكون صديقاً لها، بالمعنى الذي تحدث عنه دولوز حين تحدث عن "صداقة المفهوم" لا عن حبه، باعتبار أن الصداقة هي المحبة التي تبقي مكاناً للانتقاد ولاختلاف الرأي.
من هنا خطر أن يصبح المثقف سادناً لهوية جمعية، كالهوية الطائفية مثلاً، إنه يستثمر كل عدته المعرفية لتكثير وتعظيم رأسمال السياسيّ الذي أصبح، بفضل ماله وإعلامه، الممثل الحصري والوحيد للطائفة.
يكثر هذه الأيام عدد المثقفين الذابين عن طوائفهم، ممن أصبح يُعلي اسم طائفته فوق الاسم الوطني،  مقدماً خدمته لممثلي الطوائف الذين جرجروا أتباعهم من فشل إلى فشل.
سيعلم هؤلاء، وربما بعد فوات الأوان، أن نقد الهوية اسم آخر للثقافة لأن به، وبه وحده، يمكن أن ننزه المقدس عن أن يكون رقماً في حساب مصرفيّ.