د. فلاح العامري: مؤشراتٌ تُهدِّد الاقتصاد العراقي بكسادٍ مزمن

اقتصادية 2022/02/02
...

  بغداد: حسين ثغب 
حذر الخبير الاقتصادي الدولي د. فلاح العامري من خطورة حصول كساد مزمن مستقبلا في العراق، نتيجة استمرار المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تمر بها البلاد، وفي حال حدوث انخفاض في أسعار النفط العالمية لفترة طويلة مستقبلا.
 
وقال العامري: "منذ بداية عام 2020 ولمدة ما يقرب من عام ونصف العام حصل شلل في معظم الأنشطة الاقتصادية والمالية نتيجة جائحة كورونا، وفي بداية عام 2022، بدأ الانتعاش يدب تدريجيا في جسد الاقتصاد العالمي غير متأثر بالانتشار السريع لمتحور أوميكرون، كونه أقل تأثيرا من المتحورات السابقة مما جعل معظم دول العالم تخفف او تلغي إجراءات الإغلاق التام".
مبينا انه "خلال تلك الفترة حصل ركود كبير في الكثير من دول العالم، خاصة الولايات المتحدة الاميركية وبعض الدول الصناعية الكبيرة التي تعرضت لأسوأ ركود شهدته منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي أدى الى هبوط كبير في الأنشطة الاقتصادية وركود
تضخمي وبطالة كبيرة وتضخم في 
الأسعار".
 
الناتج المحلي
وأكد أن "ما شهده العالم خلال الجائحة سبب عبئا كبيرا للحكومة لمعالجتها الانخفاض الذي يحصل في الناتج المحلي الإجمالي خاصة اذا تجاوز نسبة 10% يستمر أكثر من سنتين، فالكساد هو انهيار اقتصادي ومالي حاد يؤدي الى انكماش في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة، وهو أكثر حدّة من الركود الذي يحصل عند تباطؤ النشاط الاقتصادي في دورة اقتصادية عادية".
وأضاف العامري: "في ما يتعلق بالاقتصاد العراقي فالمعروف عنه انه نظام مختلط يتكون من اقتصاد مركزي مخطط مع نشاط خاص حر، يمتازان بالضعف وعدم التنسيق، فضلا عن انه اقتصاد ريعي وغير متنوع وأحادي الجانب يعتمد بشكل رئيس على الايرادات النفطية، ويتأثر بشكل كبير عند حصول أزمات وصدمات مالية يصعب تلافيها بسهولة تترك آثارها السلبية على النشاط الاقتصادي والمواطنين".
 
ثلاث صدمات
وأشار الى أنه "منذ عام 2008 تعرض الاقتصاد العراقي الى ثلاث صدمات متتالية نتيجة لانخفاض كبير في أسعار النفط أدت الى حدوث ركود اقتصادي في جوانب عديدة وارتفاع معدل البطالة ونسبة الفقر وضعف الاستثمارات التي تمولها الدولة او القطاع الخاص، فضلا عن توقف نمو انتاج النفط الخام وفقد العراق قرابة المليون من انتاجه، وانعكس ذلك على الكميات المصدرة التي تباع بأسعار منخفضة أقل بكثير من حاجة الموازنة السنوية، كذلك أدت إجراءات الإغلاق لمنع انتشار جائحة كورونا ومتحوراتها الى هبوط في معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي، وارتفاع نسبة البطالة وتضخم 
الأسعار".  
يذكر أن الاقتصاد العراقي يعيش أزمات عديدة تتأزم تارة وتخف تارة أخرى، ولكن الاتجاه العام ان هذه الازمات تتراكم وتتنوع ويصبح من الصعب ايجاد حلول لها عند حصول صدمة كبيرة مثل انخفاض دائم في أسعار النفط على المدى البعيد".
 
أزمة اقتصاديَّة
وتساءل العامري، كيف يتجنب العراق حصول كساد طويل يدخل العراق في أزمة اقتصادية تهدد أمنه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والغذائي؟.
وتابع: "عندما يتعرض الاقتصاد العراقي الى صدمة نتيجة انخفاض كبير في أسعار النفط، ومن ثم انخفاض الايرادات النفطية، فإن ذلك يؤدي الى حدوث هزة وانكماش وركود وتباطؤ في معدل النمو ويقود الى الركود الاقتصادي. ويمكن تحديد حالتين من الركود؛ الاولى، ركود تقليدي يمكن التعايش معه ويكون وقتيا لا تتجاوز مدته السنتين، 
ويحدث نتيجة حصول صدمة مالية او اقتصادية تسبب انكماشا في الاقتصاد العراقي يؤدي الى انخفاض أسعار النفط الى مستويات غير مقبولة. وخير مثال على ذلك ما حصل خلال الأعوام 2008 و 2015 و2020، وهذا النوع من الركود مستمر حتى وقتنا الحالي، ومن نتائجه حصول انخفاض في حركة التجارة الخارجية والتعاملات المصرفية ويؤدي الى نقص في المعروض السلعي المستورد وارتفاع أسعارها ويسبب تضخما وزيادة في البطالة وانخفاضا في الاستثمارات".
الطلب العالمي
ولفت الى أن "النوع الثاني الكساد الحاد الذي قد يصيب الاقتصاد العراقي على المدى البعيد ويستمر لفترة طويلة وربما يصبح سائدا لفترة غير معروفة، ويرتبط حدوث هذا النوع من الكساد بانخفاض تدريجي واسع في أسعار النفط العالمية وتستقرعند حدود 30 - 40 دولارا للبرميل، وأن سبب انخفاض أسعار النفط الى هذه المستوى يعود الى انخفاض الطلب العالمي على النفط نتيجة حدوث تطورات تدريجية في توجهات الاقتصاد العالمي بالانتقال من مصادر الطاقة الأحفورية الى مصادر الطاقة المتجددة مثل الهيدروجين والطاقة الشمسية والرياح وغيرها، فضلا عن حصول تحسن في كفاءة استخدام النفط والغاز على مستوى العالم، وظهور ابتكارات جديدة في تطوير مصادر طاقة بديلة وزيادة كبيرة جدا في حجم الاستثمارات في مشاريع مصادر الطاقة المتجددة 
والنظيفة".
 
الكساد الكبير
وأكد العامري "وجود مؤشرات لحدوث هذا النوع من الكساد في العراق، ويحصل على المدى البعيد، ويحدث تدريجيا لارتباطه بانخفاض أسعار النفط وتطورات العرض والطلب على النفط، فضلا عن عدم حدوث تغير جذري في هيكلية الاقتصاد العراقي وبقائه ريعيا أحادي الجانب، وتكمن الخطورة من حصول الكساد الكبير في ان الايرادات الناتجة من قطاعي النفط والغاز وتلك التي تأتي من القطاعات الأخرى لا تكفي لسد متطلبات الشعب وتزيد من عجز الموازنة السنوية، وتزداد نسبة البطالة والفقر وربما يقود الى نتائج معقدة تؤثر على جميع 
القطاعات".
 النمو السكاني
ونبه الى أن "استمرار ارتفاع النمو السكاني الذي يبلغ حاليا بحدود مليون مواطن سنويا، إذ من المتوقع أن يصبح نفوس العراق 55 مليون نسمة بعد خمسة سنوات من الآن على أقل تقدير، وهذه الزيادة في السكان تحتاج إلى توفير بنى تحتية جديدة في قطاعات الصحة والتعليم وفرص عمل جديدة وتحسين البيئة ومكافحة الفقر، والمفيد أن نذكر هنا أن وزارة التخطيط أعلنت حديثا أن 38 %، من أطفال العراق يعانون الفقر، فكيف تصبح هذه النسبة عام 2035 اذا اما ظل الحال كما هو وبقي الاقتصاد العراق ريعيا يعتمد على قطاع عام حكومي مترهل وقطاع خاص نسبته منخفضة ودوره
ضعيف". 
وأكد أن "تجنب حصول الركود الكبير او الكساد الخطير في العراق مستقبلا، ويتم ذلك من خلال المباشرة باتخاذ اجراءات اصلاحية جوهرية وتغيير في السياسة الاقتصادية تؤدي الى بناء اقتصاد واسع ومستقر ومتنوع، يشمل نموا حقيقيا في دور قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة والبيئة والسياحة وغيرها تسهم في النمو الاقتصادي والدخل القومي الاجمالي، فضلا عن إحداث ثورة حقيقية في دور القطاع الخاص المحلي والاجنبي، 
واتخاذ كل الوسائل الممكنة لتوسيع حجمه ونسبته في الاقتصاد العراقي، وفي الوقت نفسه تقليص دور القطاع العام وتحويل الاجزاء غير الستراتيجية منه تدريجيا الى القطاع الخاص مباشرة او من خلال المشاركة بين القطاعين وتبسيط الاجراءات والتشريعات التي تعزز دوره وتحل مشكلاته، كذلك العمل على إيقاف الهدر في الايرادات المالية بسبب سوء الادارة وانعدام الشفافية وضعف الخبرة في مؤسسات القطاع العام الانتاجية منها او الخدمية 
كافة".