علي حسن الفواز
النهاية الافتراضية للحرب في أفغانستان لا تعني نهايتها الواقعية، فللحرب وجوه متعددة، ولعل أخطرها حرب الجوع والجهل، وهو مابات حاضراً تحت حكم طالبان، إذ يتهدد ملايين الأفغانيين بأزمات ومجاعات قادمة، وبسبب طبيعة الحكم الطالباني الأصولي، وبسبب عدم اعتراف العالم بهذا الحكم الذي كان إلى وقت قريب خاضعاًإلى التوصيف الدولي بالإرهاب.
الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وسقوط كابل بيد طالبان،أنهيا فكرة الحرب التقليدية، وأسقطا النظام السابق فيها، ووضعا العالم أمام حقيقة صادمة، وهي فرضية القبول بهذا الحكم، والبحث عن شروط أخرى تبرر التنسيق الدولي معه، لاسيما في إيجاد حكومة تضم التنوع الأفغاني الإثني، وإيجاد جيش يتجاوز عقدة الأصولية الجماعوية، الأيديولوجية والتكفيرية، وموقفها من الحريات والحقوق، لاسيما حرية المرأة .
الموقف الأممي من أفغانستان مقيّد أميركيا بفعل العقوبات، فلا قدرة للأمم المتحدة على انتهاك ذلك، والتصرف خارج هذا القيد، لا سيما في مجال الحصول على الأموال اللازمة لتيسير الحياة العامة، ولدفع الرواتب، ولمواجهة الأزمة الاقتصادية، وهو ما صرّح به مؤخرا مسؤول كبير في الأمم المتحدة، بأن لدى المنظمة نحو 135 مليون دولار في أفغانستان لكنها غير قادرة على استخدامها، لأن البنك المركزي الذي تديره حركة طالبان لا يستطيع تحويلها إلى العملة المحلية. والخشية في ذلك تتعلق بالفساد، واحتمال استخدامها لأغراض أخرى، فضلا عن منع تحويلها إلى العملة الأفغانية، لأن طالبان حظرت منذ سيطرتها على كابول في آب من العام الماضي التعامل بالعملات الأجنبية، ومنها الدولار الأميركي، كما أن هذا التضييق سيشمل العمل الإغاثي لمنظمات الأمم المتحدة، ودعم برامجها الإنسانية في مواجهة المجاعة، وأزمة جائحة كورونا، وكيفية دعم برامج الوقاية وتأمين اللقاحات اللازمة للشعب الأفغاني الذي يبلغ تعداده 39 مليون نسمة.
وبرغم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدةوالبنك الدولي، فإن مايجري في أفغانستان يكشف عن هول تلك الحرب، وهول مابعدها، والكيفية التي ستُدار بها الأزمات والصراعات، لاسيما أن التركيبة السكانية في هذا البلد الفقير معقدة جدا، ومكونة من قوميات البشتون الكبيرة، والأوزبك والطاجيك والهزارة، وهي جماعات إثنية عاشت منذ الاحتلال السوفيتي لأفغانسان تاريخا طويلا من الحروب الدامية، والصعود الغرائبي للأصوليات الإسلامية، الذي دفع بعضها إلى تبني خطاب الإرهاب والتكفير وإقصاء الآخر.