سطوة الثقافة على الجسد

ثقافة 2022/02/08
...

 موج يوسف 
 
شغلني تساؤل: من المسهم في وضع القالب الجمالي لجسد المرأة وفق النمط المتعارف عليه، هل الفطرة التي خُلقت عليها؟ أم الثقافة؟ هذه الأخيرة في عالمنا العربي هي إحدى ممالك الرجال حالها كحال القانون، والمجتمع. وما أعنيه بالثقافة هنا: الشّعر الذي لم ينفك عن توظيف جسد الأنثى والتغني بجمالها، وفي الظاهر يبدو أنه توظّيفٌ فنّي، لكنني عندما بحثتُ في بواطن النصّ، اكتشفت أن السّلطة الذكورية عدّت جسد المرأة ملكاً خاصاً لكلِّ رجلٍ، وهذا الأخير رضخ لفطرة جسدها كما هي!! أم كانت غزيرته المتحكم في وضع مقاييس جمالها؟ لو عدنا إلى جذور الثقافة العربية التي تتمثل في الشعر الجاهلي الذي احتفى مسرحه بالجسد، فامرؤ القيس بمغامراته ومطولاته الشعرية عرضَ جسد المرأة العربية وفقَ نمط معين: وبيضة خدر لا يرام خباؤها/ تمتعتُ من لهو بها غير معجل. وقوله: مهفهفةٌ بيضاء غير مفاضةٍ/ ترائبها مصقولة كالسّجنجل. هذه الأبيات في مطولته وقد اجتزأنا هذين البيتين، فهو يظهر في النص أنه وضع القانون الجمالي للمرأة المتمثل: ببيضاء رقيقة ممتلئة الجسد باللحم، ضامرة البطن والخصر، غير أن امرأ القيس لم يكن الشاعر الوحيد الذي يبحث عن هذا الشكل الجسدي، بل غيره من شعراء عصره ايضاً، فهل كانت الذائقة لجسد المرأة واحدة؟ الشاعر الأعشى الكبير (ميمون بن قيس)  لم يكن بعيداً عن جسد المرأة مصوراً صفاته في العديد من قصائده. الشاعر يصف جسد الحبيبة الممشوق، والمكتنز باللحم، والنهد البارز، والبشرة البيضاء، وقد أضاف بأنها حسنة الخُلق لتصعد المرأة إلى الكمال الذي وضعوه لها، وقد يكون قانون الجمال هذا اجتماعياً؛ فكيف لشاعر أعشى ضعيف البصر أن يصور هذه الصفات بهذه الدقة؟ فهل الوصف كان خيالاً منه؟ لو سلّمنا بأنه خيالٌ، فكيف تسلل إلى جميع الشعراء الذين وضعوا جسد المرأة بشعرهم بهذه المواصفات السابقة؟ الأعشى ضعيف البصر أو فاقده لم يعبر في نصوصه إلا عن رؤيا العالم، بمعنى أن النصّ انطلق من رؤية الجماعة البشرية وأفكارهم وعاطفتهم، التي كانت ترغب بهذا الجسد وتعدّه المثال لكلّ جمال، لعل هذه الجذور الأولى التي حبست المرأة في جسد معين، وقد انتقل قانون الجمال عبر العصور إلى يومنا هذا عبر اللاوعي والجمعي وكان الشعر المسؤول الأول عن انتقاله، إذ تغنى الشعراء في كلّ عصر بجسد الأنثى وبذات الصفات، ومنطلقه الشهوة الذكروية التي كانت لها اليد الطولى في تأسيس قانون الجسد، الذي صار الصرح الجمالي الأمثل، وتسعى إليه كل امرأة فمن خلاله تدخل إليه كاشفة عن ساقها حاسبة أن الصرح من لجّةٌ، بالمقابل تعيش بقلق أن لم تتوفر بها هذه المواصفات الجمالية؛ كونها تصبح مطرودةً من قائمة الجمال ويشطب اسمها، وتُرحل إلى قائمة القبح!!! وهذا ما تعاني منه المرأة التي انعزلت عن ذاتها، وتغرّبت عن جسدها، وما أن ظهرت بها عاهةً عارضة حتى صارت تخشى التنمر الاجتماعي. 
فمتى تتقبل نفسها وجسدها كما هو؟ لعل الأخطر من هذا أنها صارت تدسّ جسدها في صالات التجميل؛ لتحصل على القوام المثالي، وفق قانون الجسد الجمالي الذي صنعته الثقافة الفحولية، ومن جانب آخر يسودها الرعب وتقتحمها الكآبة ما أن تغيرت جغرافيا جسدها بفعل عوامل تعرية العمر، وتكون كالشجرة المنبوذة التي تساقطت أوراقها ولا ربيع يزورها، ويضعُ منها حُلمَ (الرسولة بشعرها الطويل) ـ  حسب قول أنسي الحاج ــ بعض شعراء العصر الحديث تنازلوا عن الجسد المثالي، وانحازوا إلى فكرها، روحها، فلم يجدوا (أغلب) النساء مهيئات إلى هذا الدور، لأنَّ سطوة الثقافة التي صنعت جسدها مازلت مسيطرةً عليها، فمتى ما اكتشفت نفسها، ورفضت الأنموذج التقليدي الجمالي الذي فُرض عليها ستكون الرسولة المنتظرة.