وليم هنت، كلوديو وإيزابيل

ثقافة 2022/02/13
...

ستار كاووش

هذهِ اللوحة لمحبي الأدب والفن، لأنها مستوحاة من مسرحية شكسبير (الصاع بالصاع )، رسمها الفنان البريطاني وليم هنت سنة 1850 وهي موجودة في متحف تيت غاليري في لندن.
تشير اللوحة إلى التضحية، وتظهر فيها شخصيتان، إيزابيل وشقيقها كلوديو الذي تزوره في السجن، مُحاوِلَةً إنقاذ حياته.
لكن المعضلة هنا هي إن إيزابيل لا يمكنها إنقاذ حياة كلوديو إلا إذا وافقت على التضحية بعذريتها لأنجيلو، نائب الدوق.
وتتلخص هذه اللحظة الحاسمة، ببعض السطور التي أخذها هنت من المسرحية، وأعاد كتابتها على إطار اللوحة، والتي يقول فيها كلوديو (الموت شيء مخيف).
لتجيبه إيزابيل (والحياة المخزية مقيتة).
ومع ذلك، تمضي هذه اللوحة، إلى أبعد من مجرد توضيح لكلمات شكسبير، وهنا يرينا هنت إمكانيته العظيمة كرسام دخلَ في أعماق نفوس شخصياته التي رسمها.
تقف إيزابيلا بشخصيتها المنتصبة التي ترمز إلى الفضيلة والاستقامة والأخلاق، وتشير إلى ذلك ملابسها البيضاء النقية ووجهها الذي يسبح في ضوء الشمس التي تأتي من نافذة الزنزانة.
وما زاد من رقة ملامحها التماع زهور التفاح البيضاء خلف النافذة المحاذية للمكان.
بينما يظهر كلوديو بوضع منغلق في الظل، ينظر إلى داخل الزنزانة، مقيداً بالسلاسل التي ثُبِّتَتْ في الجدار، يقف على ساق واحدة بملابسه الملونة التي هي عكس ألوان ملابس أخته، حيث أخذت ألوان الأسود والأحمر والبنفسجي، والتي تشير إلى  انه شخص مليء بالعاطفة، وقلبه هو الذي يحرك تصرفاته. 
تنظر إيزابيل إلى أخيها بوجه حنون وعينين دامعتين، وتضع يديها على قلبه لتهدئته وتطلب منه أن يتحلى بضبط النفس، بعد علاقته العاطفية بجولييت وحملها منه من دون زواج رسمي، مما أدى إلى سجنه.
وهذا ما جعله يبعد وجهه عن مصدر الضوء كي لا يواجه نظرات شقيقته، ويركز نظره داخل الزنزانة، بعد أن استدار وابتعدَ عن النور متجنباً وجه أخته ويحدق بشكل مزاجي في زاوية زنزانته.
وقد رسم هنت زهور التفاح المتناثرة على ردائهِ الأسود المرمي على الأرض كتعبير عن عذرية حبيبته التي عوقب بسببها، كذلك عذرية شقيقته التي ستساعده. 
هذه اللوحة واحدة من أجمل نماذج ما بعد الروفائيلية بكل ما تحمله من تقنية وتكوين ومعالجات ورموز، كذلك اقترابها من الأدب، وتوظيف كل التفاصيل لأجل توصيل رسالة جمالية عالية المستوى.
درسَ هنت (1827 - 1910) الرسم في الأكاديمية الملكية سنة 1845 وهناك التقى بجون ميليه ودانتي روسيتي، ليؤسسوا معاً حركة ما قبل الروفائيلية سنة 1848.
ثم سافر مع روسيتي إلى هولندا وهناك استلهم الكثير من التقنيات عِبْرَ فناني الأراضي المنخفضة.
وقد ظلَّ هنت مخلصاً لما بعد الروفائيلية طوال حياته، وقد ألَّفَ كتاباً عنها.
حين عرضَ هينت هذه اللوحة في الأكاديمية الملكية عام 1853، صحبها بكتابة (الصاع بالصاع) الفصل الثالث، المشهد الأول، كإشارة منه إلى مسرحية مواطنه العظيم شكسبير.