الروح غريبة.. والسماء زرقاء لا تزال     

ثقافة 2022/02/16
...

 طالب عبد العزيز 
                         
 ضَعْ يدك على كتفي، أنا غريبٌ في المدينة هذه، لا أحد يعرفني إلّاك، أيّها الغريب. ابتسمْ بوجهي المتجهّم، سنةٌ أخرى تمرُّ وأنا بلا صديق، كل الذين التقيتهم في الحديقة العامة أمس، لم يأتِ أحدٌ منهم، اليوم عيد ميلادي السبعين. قرأتُ الجريدة، وتصفّحت أرقام الهواتف والاسماء، وطويلاً أنصتُّ لنداء الباعة والعشّاق والمتسولين، أنا ومنذ الصباح، أبحث عمّن يذكّرني باسمي، الذي يُشبه مدرسة مغلقة. أعطني قصبةً، وقلْ لي كانت مِعزفاً، سأضعها الليلة تحت رأسي، إنْ صحوتُ في الغد، وهذا ما أرجوه، سأمضي بها إلى النهر، أغرسها بين حدّي التراب والماء، لئلا تبقى قصبةً إلى الأبد. 
 ما الذي سأفعله بالوقت إذا أخذ أحدُهم الانتظار؟ ما الذي سأفعله بالمطر إذا عبث سلطان برائحة الارض؟ وما انتفاعي بالجنون إن تركتَ يدي طليقتين، وأخفيتَ كلَّ أنثى، أتسمّي وضع أصيص النرجس على النافذة انتصاراً؟ أتراني سعيداً إذا ماهزمتُ الريحَ بإغلاق النافذة؟ وليس من الوفاء بشيء وقوفك تحت المطر، بانتظار حبيبة نائمة؟ وهبني أفقت مرعوباً وسط مقبرة منتصف الليل، أو هزمني قاتلٌ في حلم، أو سخِرتْ امرأةٌ منّي في بلاد غريبة، هل آوي الى فراشي يائساً؟ أبحث في خزانة ثيابي عن قميص لم أرتده من قبل، أو عن رقم هاتف أزوّله آخرة الليل؟ ليأتيني صوتٌ لا أعرفه، وماذا لو تسلّقتُ جبلاً، لم يتسلقه أحدٌ من قبل، ماذا لو كنت آخر الناجين في وادي حلبجة، أتراني سأحتفظ بقنينة الاوكسجين إلى اليوم؟ وماذا لو كانت المرأة الاخيرةُ بجانبي، أتراني سأذهب معها الى آخر الشوط؟ وماذا لو كنت الغريقَ الأخير في سفينة القراصنة، أفي ذلك ما يُعتقد بأني كنت الأميرَ فيهم؟ حيث لا أحد يدوّن ما قمتُ به. وهبني كنت أوَّلَ من صعد مركب الموت، أفي ذلك جائزة لميت؟ يقول لوران غاسبار: «إن معبدنا هذا ليس مكاناً لليأس».
 أيها المسافر الأبدي، يا صديقي في السلالم والمحطات، وأنت تضع الحقيبة على  ظهرك، تذكّر بأنَّ القطارات ستصل المحطة هذه ثانية، لعلها كانت قبل الأخيرة. وأنت تطلق الرصاصة الأخيرة، أيّها الجنديّ، هناك من ما زال يحاول وضع نهاية للحرب. ويا صديقي الفلاح، أنت يا من يبزّك الليمون بصفرة وجهك، تيقن بأنَّ المدَّ سيصعد الضفة المقابلة، بكل مروءته وفتوته. ويا صديقي الغريب، أنت الذي تتناهبك الآفاق الآن، وأنت تخلع قميصك للمرة العاشرة بعد الألف، ستقع عينُك على النّدبة ذاتها، النّدبة التي ستسألك عنها كلُّ أنثى في فراشك. وأنت تتكئ على سياج الحديقة، تنتظر حبيبتك، أو من يأتيك بباقة الورد، تذكّر عدد الذين انتظروا حبيباتهم هنا، وتلمّس، لكنْ برفق، أجسادهم التي أكلها الغياب. وأنت تخترع العذر لإثبات براءتك، هلا أحصيت عدد القطط التي نهرتها؟ وماذا لو أخطأتُ، ولم أقبلْكِ، هذه المرة، على موضع جرح كتفك القديم، ترى، ماذا عن جراح أكتاف النساء، اللواتي لم يجدن الى اليوم، من يضع شفته على
أكتافهم؟