نحن وأزمنة التشطير

ثقافة 2022/02/19
...

 علوان السلمان 
 
من المستجدات المعرفية الزاخرة بمعاني كثيفة ودلالات ثقافية مركبة شاملة من التفاعل الاجتماعي عبر حركة التاريخ والتي يحقق وجودها ويوثقه المثقف الكائن العضوي العالم بالكليات والمراقب كسلطة مشرعة هي (البيئة التي تتحرك بها المسارات العامة وضروب التفكير والتنوع الاجتماعي بما تتضمن من عادات وتقاليد وأذواق وعواطف)، كما جاء في المعجم الوسيط.       
فيما ترى الموسوعة السوفيتية بأنها (كل القيم المادية ـ الخبرة في ميدان الإنتاج والروحية ـ المنجزة في مجال العلم والأدب والفن والأخلاق والتربية ووسائل خلقها واستخدامها). أما السير أدوارد تايلور في كتابه (الثقافة البدائية) فيرى أنها (ذلك الكل الديناميكي المعقد الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع. لذا فهي المجموع المركب من الآداب والفنون والعلوم والمهارات التي يكتسبها الفرد ويحقق وجودها ويوثقها المثقف الكائن العضوي على حد تعبير غرامشي. كونه عالما بالكليات التي تحقق وجودها بجوهرها والمراقب كسلطة مشرعة دوما. فالثقافة إذن هي الخيط الذي يربط بين المنتج الفكري (المثقف) والمتلقي (المستهلك). أما الشاعر ت.س. إليوت فقد وضع شروطا ثلاثة بتحقيقها تتحقق الثقافة:        
أولها: البناء العضوي، كونه يساعد على الانتقال الوراثي لها داخل ثقافة ومجتمع معينين.                                                                                       
ثانيهما: القابلية للتحليل إذ تشكلها من ثقافات محلية.                                    
ثالثهما: التوازن بين الوحدة والتنوع في الدين.                                          
فالثقافة إذن وسيلة للارتقاء الروحي والمعرفي بغية خلق الموازنة الحياتية وحافز لتطوير المجتمع، والنخبة المثقفة هي التي تقود المجتمع الذي تنتمي إليه وتحقق رقيه وتطوره بمقدار مساهمتها الفاعلة من خلال احتكاكها بالطبقات والفئات الاجتماعية ونزولها إلى أدنى المستويات المعرفية في المجتمع لأنها وعي ومعرفة واختراق مجاهيل الواقع بتوظيف مخزونها الفكري الذي جاء نتيجة (حس بصري أو سمعي). إذ إن أهم مساعي المثقف لتطوير ذاته هو السعي لمعرفة نفسه. فهي تؤدي دوراً محورياً في بناء الشخصية الوطنية بتشكيل وعي يسهم في صياغة وإعادة بناء التركيبة الاجتماعية للوجود الإنساني، وذلك عبر تنمية هذا الوعي ومن ثم تعميق الزمن الفكري من أجل الاستقرار وتدعيم الوحدة الوطنية، فهي تخلق وعياً بأهمية الوطن ومكانته. والمثقف هو الذي يستوعب ويدرك مفهوم المواطنة التي تستند الى العدل والمساواة وقبول التعددية، لذا كان دوره تأسيسياً ومفصلياً في الثورة ضد الأفكار الفئوية والمناطقية والمذهبية لخلق مفهوم تعايشي تسامحي تحت مظلة الوطن الواحد بلا حواجز ولا قيود تعيق التواصل الاجتماعي بين مكوناته المجتمعية.                                     
إن الحديث عن الوحدة الوطنية يعني خوض غمار محاور متعددة في مقدمتها المحور الداخلي، فالإقليمي، والإنساني الكوني.. والداخلي بؤرة انطلاق المحاور كلها.                                                                          
والثقافة تعد رافداً تنموياً لجميع المجالات الفكرية والعلمية بحيث تمثل قنواتها محاكاة لشرائح المجتمع وأنساقه لتحقيق شموخ البناء الكلي له. إنها تعميم لا تشخيص، كونها مجموعة من القيم التي تنبثق منها أنماط من سلوك يؤسس لعلاقات إنسانية.                                                                                  
لذا فإن دور الثقافة في تعزيز الوحدة الوطنية جوهري يبدأ من معرفتنا أن الثقافة (تصنع وتنمو في الوعي الجمعي)، وأن المثقف المنتمي ينطلق بوعيه وحركته على صعيد الواقع من منطلق الدفاع عن الشخصية الثقافية في وجه التحديات ورفض أزمنة التشطير للحفاظ على الهوية الوحدوية عبر تقديمه التصورات والرؤى التي تساعد في تسريع التحول الديمقراطي، فضلاً عن تعزيز الوعي من خلال تعميم ثقافة السلام ونبذ العنف والتأكيد على الوحدة الوطنية والمجتمع المدني الفاعل والإيجابي في النهوض بمسؤولياته.