مختصّون: القرارُ أضرَّ بشريحةٍ كبيرةٍ من المواطنين لكنَّه عزّز الإيرادات

اقتصادية 2022/02/21
...

 بغداد: حيدر فليح الربيعي 
احتدم الجدل الاقتصادي بشأن دعوات إرجاع سعر صرف الدينار أمام الدولار، التي طالب بها زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، نتيجة الارتفاع الواضح الذي شهدته مجمل السلع والخدمات في السوق المحلية، لا سيما المواد الغذائية والصحية، والناجمة عن زيادة تكاليف الاستيرادات التي تغطى بالدولار، الأمر الذي فاقم من حجم التضخم والفقر، وأدى الى قضم نسبة كبيرة من القيمة الشرائية لرواتب الموظفين والعاملين في القطاع الخاص.
ورغم السلبيات الكبيرة التي خلّفها القرار الذي صوّت عليه مجلس النواب في الدورة السابقة، بيد أن اقتصاديين يرون بعض “الايجابيات” في زوايا أخرى من الخطوة التي “خلقت سجالا واسعا في الأوساط السياسية والاقتصادية”، مؤكدين أن خفض قيمة الدينار أدت الى مواجهة الأزمة المالية التي نجمت عن انهيار أسعار البترول إبان جائحة كورونا والقيود التي فرضتها تلك الجائحة على جميع دول العام، مبينين أن الأمر حقق أيضا سيولة مالية أدت الى تأمين رواتب الموظفين.
 
موقف برلماني 
وعلى الفور من دعوات السيد الصدر، استضاف مجلس النواب محافظ البنك المركزي، في حين “رفض” وزير المالية تلبية الدعوة التي وجهت له من قبل السلطة التشريعية، لمناقشة سبل خفض قيمة الدولار أمام الدينار، وذكر بيان لمجلس النواب،  أن “النائب الأول لرئيس المجلس، حاكم الزاملي، ترأس اجتماعا موسعا حضره عدد من رؤساء الكتل السياسية والنواب، وشهد استضافة محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، في حين امتنع وزير المالية علي عبد الأمير علاوي عن الحضور، لمناقشة موضوع تهريب العملة وسعر صرف الدولار وتحكّم بعض المصارف بمزاد العملة ووضع أنجع الحلول لتخفيف تأثيرها على 
المواطنين.
وفي حين طالب الزاملي “الاِدّعاء العام باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة أصولياً، لمنع سفر وزير المالية “علي عبد الأمير علاوي”، أكد أن الأسبوع الحالي سيشهد انعقاد جلسة برلمانية طارئة لاستجواب الوزير”.
 
مقترح بديل
وبهدف عدم خلق “إرباك” اقتصادي قد يسببه خفض سعر صرف الدولار، اقترح الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي، أن يكون التخفيض تدريجيا، وبوقع 1٪  او  2%  لكل شهر، عبر سياسة صرف واضحة ومعلنة للجميع، بعبارة أخرى 1000 - 2500 دينار لكل 100 دولار تنخفض شهريا عبر تحديد السعر في لوائح مزاد العملة.
ويرى العلي، أن “العودة لسعر الصرف السابق قد لا يكون معقولا بهذه السرعة، بسبب السياسة النقدية للبنك المركزي الأخيرة التي عززت ورفعت النقد المتداول بنسبة كبيرة، وقد يكون سعر 1300 دينار لكل دولار أمرا معقولا.
ودعا الخبير الاقتصادي الى ضرورة “إرسال رسائل اطمئنان للتجار والمستوردين والمدّخرين عبر إيضاح سياسة صرف العملة الأجنبية بشكل واضح ولمدة سنة او أكثر”.
وكان محافظ البنك المركزي، مصطفى غالب مخيف، تعهّد خلال الاستضافة البرلمانية، بمحاسبة المصارف الخارجة عن الضوابط والمتلاعبة بأسعار الصرف.
 خطأ كبير
ولم يبتعد كثيرا الخبير الاقتصادي رائد الهاشمي عن الرأي السابق، حينما وصف خطوة تغيير سعر الصرف بـ “الخطأ الكبير” والذي أضر بشكل مباشر بالمواطنين، لا سيما ذوي الدخل المحدود.
وقال الهاشمي: “أعتقد أن إرجاع سعر صرف الدولار ليس بهذه السهولة أبدا، فالقرار دفع ثمنه المواطن البسيط والرجوع عنه حاليا “أمر غاية في الصعوبة” مقترحا أن “تقوم الحكومة بإجراءات تدريجية لخفض سعر الدولار حتى لا تؤثر على حركة السوق وبالوقت نفسه عليها اتخاذ إجراءات حقيقية لدعم الخدمات الرئيسة وتقليل الضغط على المواطن، مثل دعم مفردات البطاقة التموينية وخفض أجور الكهرباء والماء والانترنت وأسعار كارتات شحن الموبايل، وهذا أفضل للسوق بشكل عام وللمواطن ثانيا”.
 
ثبات سعر الصرف
بدوره أكد الباحث في الشأن الاقتصادي، عصام سالم، أن “الضجة التي تثار بشأن سعر الصرف ليس لها مبرر حقيقي، فالتبعات التي بنيت على أساسها كبيرة و لا يمكن لملمتها الان و لا على المدى المنظور، وان هذا اللغط يوثر بالمباشر على التداول في السوق المحلية ويشل حركة السوق و يتيح للمضاربين واصحاب الاموال جني أرباح إضافية». وشدد سالم، على ضرورة ان تكون “سياسة سعر الصرف ثابتة وغير قابلة للتغيير، مع تحقيق بعض الدعم لمفردات البطاقة التموينية والحفاظ على الأمن الغذائي ودعم الأساسيات، مثل الكهرباء والماء والخدمات والطرق وتثبيت الأمن الداخلي و تشجيع الانتاج المحلي من جميع جوانبه وايجاد حلول حقيقية لتوفير العملة الصعبة في الداخل من خلال السياحة و التصدير». وكان المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، قد اقترح آلية لمعالجة الآثار الجانبية لتغيير سعر الصرف.
وقال صالح، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن “الأوان قد آن للسياسة المالية أن تؤدي دورها الفاعل والمهم في معالجة الآثار الجانبية التي ترتبت على تغيير سعر الصرف وتأثيراته على الدخل ولاسيما تأثر الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل سلباً بالإخفاقات السعرية دون تعويض».
وأضاف، أن “هذا الجانب تصب فيه مباشرة أهمية خفض الضرائب الجمركية وبشكل ملموس على المواد الغذائية والدوائية ولوازم الإنتاج المحلي المستوردة، فضلاً عن إعادة هيكلة الدعم الحكومي للسلع والخدمات ذات المساس المباشر بالطبقات الاجتماعية الفقيرة».