الكتاب الأول وتحنيط فهم النسويّة

ثقافة 2022/02/22
...

 أ.د. نادية هناوي
من القواعد البدهية أن ما يبنى على الباطل باطل، فالخطأ لا يخلف إلا خطأ؛ وهذه القاعدة على شهرتها ومنطقيتها، فإن من الوارد أن تتناسى ويضرب عنها صفحاً حين لا تصب في مصلحة من لا تعجبه صحتها ومن يتصور واهماً أنه بتجاهله لها سيتمكن من بناء ما يراه صحيحاً على فداحة خطئه، متحدياً بداهة القاعدة ومغالطاً نفسه قبل أن يغالط المنطق والنظام اللذين سيثبتان له عاجلا أو آجلا أنه واهم وأن هذه القاعدة العتيدة صحيحة.
 
إضاعة المسمى
وإذا كان لهذه القاعدة البدهية أن يتناساها كثير من الناس، فإن لا مجال لنسيانها عند أهل القانون فهم يعرفون أكثر من غيرهم العواقب الوخيمة التي تنجم عن أي تأسيس باطل، وهم الذين يقدِّرون العقوبة التي تردع من يحاول بطريقة لا شرعية أن يؤسس من الشيء المستلب أو المغصوب أو المسروق أو المسطو عليه منبرا أو معمارا، أيا كان ذلك ذاك الشيء عينيا أم فكريا. 
وبالطبع تختلف العقوبة بحسب حالات التأسيس الباطلة.. بيد أنها بمجموعها تعني أن هناك حقوقاً مهدورة وجهوداً مصادرة وسياقاتٍ منتهكة، لا سيما حين يظن السارق أنه سينجو بفعلته مستنداً إلى ما يعرفه عمن سرق حقه من أخلاق وسماحة طبع، وقبل هذا وذاك ضيقِ فرصهِ وقتاً ووسيلةً مع قلة أو انعدام سلطته. 
أسوق هذه المقدمة لأقول إن ما أسسته رئاسة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بتاريخ أيلول 2021 لمسمى نسوي وصفته بأنه (الأول من نوعه منذ تأسيس الاتحاد عام 1959 ) كان هو القاعدة الباطلة لأن فكرته مغصوبة من مدونة المشروع الذي قدمته للاتحاد بتاريخ آب 2018 والمتضمن إنشاء مركز للدراسات النسوية وكانت بمعيته (مجلة) نصف سنوية تُعنى بشأن الفكر النسوي، وقد حددتُ مع هيأة تحريرها ــ التي تشكلت مع تشكل المشروع ــ  بتاريخ أيلول 2018 أن يكون اسمها (سيدوري) ودخلنا في نقاش حام مع رئاسة الاتحاد حول الاسم وقتذاك. وبعد عدة أشهر من المماطلة جرى الاعتذار عن المشروع جملة وتفصيلا مع أن كثيراً من متطلبات إنجازه اللوجستية والإدارية كان قد بُوشر بها وتمت تهيئتها للشروع بالعمل. 
والحجة التي رافقت الاعتذار عن المشروع هي أن وجود منبر للنسوية أمر يضيع هوية الاتحاد الأدبية. ولم يكن أمامي من بُد في حينها سوى الرضوخ لقرار الاتحاد وصرف النظر عن المشروع لكن الغريب أن رئاسة الاتحاد لم تصرف النظر، محاولة تجيير الفكرة لصالحها معلنة بين الفينة والأخرى عنها في معارض الكتب ومنصات المهرجانات الأدبية ووسائل الإعلام، ومن ذلك تصريحها خلال زياراتها للإمارات قبل عامين بصحبة وزير الثقافة السابق عبد الأمير الحمداني أنها أنشأت مركزا في اتحاد الأدباء باسم مركز بغداد للدراسات النسوية وواصلت تكرار هذا الأمر.
وكان المأمول من رئاسة الاتحاد حين استشعرت أهمية تأسيس منتدى للنسوية أن تستشعر أيضا أهمية الاعتراف لصاحبة المشروع بفضل فكرتها ولا أقول الثناء عليها، بل تثبيت أحقيتها في فكرة نبعت من خبرتها الأكاديمية وبجهود شخصية لم تبتغِ من ورائها حمدا ولا شكورا سوى أن يكون للنسوية في بلدنا مثلما لها في دول العالم المتحضر من مكانة واهتمام، بيد أن الذي حصل أن فكرتها تجيرت لغيرها الذي قلب لها ظهر المجن بفجاجة ومغالبة بعيدتين عن التمدن والتحضر والأمانة وديمقراطية العمل النقابي ونزاهته. 
وهذه صورة من صور كثيرة يواجهها الفكر النسوي في التسلط والغلبة، وسيظل يواجهها ما دام يريد شق طريقه رافضاً الرضوخ والإقصاء والوصاية. 
وعلى الرغم من التفات المجلس المركزي والمكتب التنفيذي إلى حقيقة ما يجري من سطو وتجيير، ورفض أكثر الأعضاء ما تمارسه رئاسة الاتحاد من تفرد، فإن الأخيرة واصلت مساعيها متعنتة أكثر في التجيير، مؤسسة قاعدتها الباطلة للنسوية في أيلول 2021. ولا فرق بالطبع في مسميات هذه القاعدة كمركز أو منتدى أو منبر لان الفكرة تظل واحدة والمضمون يبقى كما هو مهما تقادم الزمن وعدت العوادي. 
واليوم شرعت رئاسة الاتحاد بالبناء على هذه القاعدة الباطلة متمادية في تجاهل توصيات المجلس المركزي بمطبوعها المسمى (الكتاب الأول) الذي خارجه يخالف داخله؛ فمن الخارج هو (كتاب) من القطع المتوسط وبغلاف من النوع المقوى ذي الكتلة الكثيفة مما ساهم في تمتين شكله الظاهري فضلا عن طريقة إخراجه وتنضيده وما عمله منظم فهرس المحتويات من تكرار ثلاثة عناوين ثلاث مرات. أما من الداخل فهو (مجلة) فيها مقالات وحوار وترجمات تتقدمها شروط النشر وافتتاحية العدد ورقم العدد مع مسميات (رئيسة التحرير/ رئيس مجلس الإدارة والمشرف/ الهيأة الاستشارية) ولا ندري ما دلالة كلمة (مشرف) هنا أمشرف على المنتدى أم على المجلة؟ أم أنها متروكة للمجهول؟ ثم ما مسوغها بوجود (رئيس مجلس الإدارة) التي هي الأخرى لا معنى لها في كيان نقابي كاتحاد الأدباء؟ أهو نقل ببغاوي وبعماء يتم عن جهل مطلق من خلال التشبه بكيانات ومؤسسات رسمية لها قوانينها الادارية التي بموجبها تتشكل مجالس إداراتها وتنتخب من قبل العاملين فيها؟  
وكانت من تبعات هذا البناء الباطل على القاعدة الباطلة أمور كثيرة، أذكر منها هنا تبعتين اثنتين وسأكمل التبعات الأخر في القسم الثاني إن شاء الله:
ــ الأخطاء اللغوية التي غصت بها الصفحات الأول من ص5ـ 10 والتي يفترض أن تكون مدققة ومضبوطة إملائيا ونحويا كونها صادرة عن جهة أدبية عالية المستوى في العراق.
ــ التذبذب في اسم المنتدى فعلى الغلافين الخارجي والداخلي كُتب منتدى الثقافة النسوية، بينما تكرر في البيان التأسيسي في صفحة رقم (5) اسم (منتدى الثقافة النسوية المعاصرة).