ما بعد الحرب على أوكرانيا

قضايا عربية ودولية 2022/03/01
...

علي حسن الفواز
الهجوم في السياسةِ قد يكون وسيلة ناجحة وخادعة للدفاع، وهذا ما راهن عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يدفع بقواته الضخمة للدخول إلى  الأراضي الأوكرانية، لفرض الأمر الواقع والسيطرة على موانئها ومدنها، وتحييد كل ماهو عسكري وأمني في تلك الجمهورية السوفيتية السابقة، وكأنه أراد وضع العالم أمام خارطة جيوسياسية جديدة، وتحمّل تداعياتها التي يتداخل فيها السياسي والقومي بالجغرافي والأمني.
صناعة الحرب، وبهذا الزخم، لم تكن مفاجئة، فبقدر ما كانت تعبيرا عن موقف  يرى في الدبلوماسية الرخوة فخا، وتسليما بما يشبه الهزيمة، فإنها تدخل في حساب العقل الأمني أكثر من حسابات العقل السياسي، لذا بدت حرب "الأكرنة" هي الأقرب إلى المغامرة، فرغم ما فيها من تعقيدات، يبقى الرهان عليها محكوما بعوامل تخص استحقاقا للمركزية الدولية، ولإعادة إنتاج القوة الروسية التي تطمح للمشاركة في حكم العالم، وهذا ما أدركت خطورته الولايات المتحدة، فعمدت إلى التجييش الرمزي والاقتصادي والسياسي، والذهاب إلى العقوبات كخط للمواجهة، وتفاديا لدخول أوروبا في رعب مواجهة نووية، وكأن سياسة العزل والعقوبات ستكون أجدى في ستراتيجيات الحرب الضد، وتوريط روسيا في حرب استنزاف مفتوحة. فهل أصبح الدخول الروسي إلى أوكرانيا مأزقاً للغرب، ولأميركا؟ وهل أنّ تردد حلف الناتو في حماية أوكرانيا عسكرياً كشف عن العيوب الأخلاقية والأمنية للسياسات الغربية، وعن عجزها في مواجهة طموحات الرئيس الروسي الذي كان أكثر جرأة في فرض الأمر الواقع على الجميع؟
هذه الأسئلة وضعت الجميع أمام مستقبل غامض، وعند سياسات خرجت عن المسكوت عنه، لتدخل في لعبة المواجهة العلنية، وعلى نحوٍ بات العالم فيها مُهددا بحرب شاملة، وبعودة غير آمنة لصراعات القطبيات القاتلة، وهو ما بات واضحا عبر اصطفاف القوى العالمية، وعبر حزم العقوبات التي تزداد كل يوم، وعبر التسويق التسليحي لدول حلف الناتو، ولدعم أوكرانيا عن بعد. إن ماجرى في أوكرانيا، ليس بعيدا عن التاريخ أيضا، فقد سبق وأن قامت القوات الروسية بالدخول إلى الشيشان، وإلى جورجيا، حيث اعترفت بجمهوريتي "أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا" عام 2008 وكذلك الدخول إلى كازاخستان لقطع الطريق على إعلان نظام موال للغرب عام 2021، وهو ما يعني حضور الحرب، بوصفها معالجةأمنية أو سياسية، لها علاقة بحساسية الأمن القومي الروسي، بقطع النظر عن أية مرجعية غربية لدعم الجماعات التي يصفها الرئيس بوتين بالمتطرفة، والتي تتمرد على "المركزية الروسية" وأنه سيتعامل معها بحزم، كما حدث في جورجيا وفي كازاخستان سابقا، ومايحدث اليوم في أوكرانيا.