بغداد: حسين ثغب
أكد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي توخير ميزرويف في مقابلة خاصة مع "الصباح" أن الاقتصاد العراقي يتعافى تدريجياً لكنه لا يزال ضعيفاً، وقال: إنه يجب أن تظل السياسات مركزة على الحد من مواطن الضعف، ودعم الانتعاش الاقتصادي، وتعزيز المرونة من خلال إصلاحات هيكلية واسعة النطاق. وتدعو زيادة التضخم التي يغذيها ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية، إلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي المستهدفة لمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً مع تجنب التدابير التي تضعف الاستدامة المالية وتضعف القدرة التنافسية.
وتوجهت "الصباح" بأسئلتها الى رئيس البعثة:
* ما هو تقييم صندوق النقد الدولي للاقتصاد العراقي خلال الفترة المقبلة، وما هي السياسات التي يُوصي بها الصندوق لتحقيق نمو اقتصادي؟
- الخبر الجيّد هو أن الاقتصاد العراقي يشهد تعافياً تدريجياً، ومن المتوقّع أن تتحول أرصدة المالية العامة والحساب الجاري الخارجي من عجز مزدوج ذي خانتين في عام 2020 إلى فائض مزدوج في عام 2021، لا سيما مع توقعات باستمرار اتجاه التعافي التدريجي. إلا أنه في ذات الوقت، لا يزال الانتعاش الاقتصادي هشاً وغير مُكتمِل وعرضة للتحديات – فإجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي لم يصل بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة – كما أن التضخّم العالمي يُمثل تحدياً جديداً. ولا تزال المالية العامة تعتمد بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية، وهو ما يهدد بأن من شأن أي انعكاس في أوضاع سوق النفط أن يتسبّب، وبسهولة، في خلق ضغوط على تمويل المالية العامة مرةً أخرى.
وعليه، سيكون من المهم أن تُواصِل السياسات الاقتصادية التركيز على الحدّ من مواطِن الضعف وعلى دعم التعافي الاقتصادي من دون زيادة حدّة التضخّم محلياً.
وسيُساعد ذلك في تعزيز صمود واستدامة الاقتصاد العراقي مما يمكنه من مواجهة التحديات المستقبلية بشكل أفضل.
وفضلا عن ذلك، فإن تنويع الاقتصاد وتعزيز تنمية القطاع الخاص يُعدّان أهم العوامل لتحقيق التنمية في العراق. ويتطلب ذلك إجراء إصلاحات واسعة النطاق، من أهمها تلك التي تهدف إلى تعزيز الموارد العامة وتقليل اعتمادها على النفط مع إيجاد الحيّز اللازم لزيادة الإنفاق الذي تشتدّ الحاجة إليه في جانبي الاستثمار والحماية الاجتماعية؛ مكافحة الفساد وتحسين حوكمة وكفاءة القطاع العام؛ إلى جانب إصلاح قطاع الكهرباء والقطاعات المالية.
* كيف تفسّر زيادة التضخّم في العراق؟ وهل تعزو ذلك إلى تخفيض قيمة الدينار في 2020؟
- كما هو الحال في العديد من البلدان حول العالم، يعكس التضخّم في العراق إلى حدّ كبير ارتفاع الأسعار عالمياً. ونظراً لمجموعة من العوامل المختلفة كالانتعاش السريع في الطلب العالمي، وتعطّل سلاسل الإمداد، وتدهور القدرة الإنتاجية بسبب الجائحة العالمية، فقد ارتفعت الأسعار العالمية للسلع بشكلٍ حادّ خلال العام الماضي.
كما ارتفعت أسعار الطاقة العالمية إلى أكثر من الضعف، في حين شهدت الأسعار العالمية للقمح والأرز والألمنيوم والنحاس والنيكل ارتفاعاً بنسبة تراوحت ما بين 20 - 50 بالمئة. وقد أدت هذه الزيادة جميعها، في المقابل، إلى رفع كُلَف الإنتاج والنقل لمجموعة واسعة من المنتجات الاستهلاكية والتي تزداد أسعارها عالمياً، بما في ذلك في العراق.
وفي تقييمنا، يبدو أن أثر تخفيض قيمة الدينار على التضخّم كان محدوداً.
وبشكلٍ عام، فإنه من غير المألوف بتاتاً أن يستمر تعديل سعر الصرف لمرة واحدة في التأثير على التضخم بأية طريقة تُذكَر بعد مرور أربعة عشر شهراً.
* هل يدعم الصندوق الإبقاء على سعر الصرف الحالي أم العودة إلى ما كان عليه السعر لخفض التضخم ومساعدة الفئات الضعيفةً؟
- ينبغي للسياسات التي تهدف إلى احتواء التضخم وأثره أن تأخذ في عين الاعتبار هشاشة التعافي فى العراق والأهداف طويلة الأمد المتمثلة في تنويع الاقتصاد وتعزيز القطاع الخاص. ومن ثم، فإن الأولوية الأولى للسياسات هي تجنّب جعل المشكلة أكثر سوءاً من خلال تبنى سياسات محلية من شأنها زيادة التضخم، على سبيل المثال من خلال السياسات التوسعية. والأولوية الثانية هي تنفيذ سياسات موجّهة بشكل دقيق لحماية الفئات الأكثر ضعفاً.
وفي الوقت نفسه، سيكون من المهم تجنّب أية تدابير يُمكِن أن تُضعِف قُدرات العراق الاقتصادية من دون معالجة المشكلة. فعلى سبيل المثال، لن تُسهِم التدابير التي تُقوّض القدرة التنافسية للمُنتِجين المحليين وتُشجّع الاستيراد في تحقيق فوائد تُذكَر للفئات الضعيفة، إن وُجِدت أصلاً. وهذا ما يفسر ندرة قيام الدول ذات سعر الصرف الثابت برفع قيمة عملتها في التاريخ الاقتصادي. وللأسباب نفسها لن يكون من المستحسن أن يقوم العراق بذلك.
* ما الذي يتوجّب على الحكومة عمله لاحتواء الأثر الاجتماعي للتضخّم في العراق؟
- يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تآكُل القوة الشرائية لدخل الأسر ومُدّخراتها. وحيث أن أكثر من خمس سكان العراق يعيشون في فقر، تكتسب حماية الفئات الضعيفة من آثار التضخم أهمية قصوى. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن تولي موازنة عام 2022 الألوية لتعزيز التحويلات النقدية الموجهة لمساعدة الأسر الأشد فقراً خلال هذه الأوقات الصعبة.
كما أن مواصلة العمل على تحسين تغطية شبكة الحماية الاجتماعية سيُسهِم في ضمان مساعدة مَن هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدة حقاً.
علاوةً على ذلك، سيُسهم ربط الزيادة في المعاشات التقاعدية ورواتب الموظفين العاملين في الخدمة المدنية ذوي الأجور المتدنية بالتضخّم في حماية القوة الشرائية لدخولهم ويحول من دون وقوعهم في الفقر. ولقد أظهرت التجربة الدولية بأن مثل تلك التدابير هي الأكثر فعالية في حماية سُبُل عيش الفئات الضعيفة.
* ما الذي يجب أن تركّز عليه السياسة النقدية للعراق والبنك المركزي العراقي؟
- إنَّ الهدف الرئيسي للبنك المركزي هو الحفاظ على استقرار الأسعار ودعم النمو والمحافظة على استقرار القطاع المالي. ولتحقيق هذا الهدف، على المدى القصير، يجب على البنك المركزي أن يُراقِب عن كثب أوضاع السيولة المحلية لاحتواء توقعات التضخم المحتمَلة، مع التأكّد من إتاحة القدر الكافي من الائتمان لدعم مسار التعافي التدريجي. كما سيُسهم الاستمرار في بناء احتياطيات النقد الأجنبي في تقوية وتعزيز قدرة العراق على استدامة الوفاء بالالتزامات الخارجية. كما سيكون لدفع إصلاحات القطاع المصرفي وتعزيز الشمول المالي أهمية قصوى لدعم خلق فرص العمل في القطاع الخاص وتحقيق النمو المستدام، خلال المرحلة المقبلة.