مارك برايسون ـ ريتشاردسون
*سفير المملكة المتحدة في العراق
إن اعتداء روسيا على أوكرانيا هو هجوم غير مبرر ومتعمد ضد دولة ديموقراطية ذات سيادة. تمت تغطية الهجوم بمعلومات مضللة وذرائع زائفة ومحاولة لخلق روايات تبرر ما لا يمكن تبريره. لا يسمح لوسائل الإعلام الروسية بالحديث عن "حرب" أو "غزو.
كما لا يُسمح لهم بالإبلاغ عن سقوط صواريخ روسية على منازل الأوكرانيين، أو أن العديد من الجنود الشبان الروس الذين أرسلوا لمهاجمة الأوكرانيين الذين يدافعون عن وطنهم لن يعودوا أحياء. يشترط على الصحفيين الروس بث ادعاءات كاذبة، واُمر الدبلوماسيون بنشر معلومات مضللة والدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه، أما العساكر ورجال الأمن المحترفون فقد اُمروا بشن حرب على أساس مزاعم
كاذبة.
الواقع بسيط، إن الشعب الأوكراني هو من يقرر مستقبل أوكرانيا، ليس المملكة المتحدة، ولا الناتو ولا روسيا. ففي اللحظة الراهنة، تعمل روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تفكيك سيادة دولة ديموقراطية وسلامتها الإقليمية. ولا شك في أن هناك العديد من القضايا التي تقف وراء هذا الهجوم، ولكن في صميمها يكمن خوف روسيا من ديمقراطية ريادية تبرهن على ما هو ممكن للشعب الروسي.
ينبغي أن تثير أفعال روسيا قلقنا جميعاً، بدافع التعاطف مع الشعب الأوكراني، وباعتبار ذلك انتهاكاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وبسبب أهمية ضمان حق شعب يتمتع بالحرية والسيادة والاستقلالية في اختيار مستقبله. وهذا حق أوضح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن المملكة المتحدة ستدافع عنه دائما. تتطلع المملكة المتحدة إلى توسيع نطاق تعاونها وانخراطها مع العراق وغيره من الدول المحبة للحرية لبناء شبكة من الحرية.
تقف المملكة المتحدة وشركاؤها الدوليون متحدين في إدانة الأفعال المشينة للحكومة الروسية. لقد أوضحنا أن هناك عواقب وخيمة لمثل هذه الأفعال وتكلفة باهظة لأي توغل عسكري روسي في أوكرانيا، وانطلاقاً من هذا الالتزام، فقد وضعنا وفرضنا مجموعة من العقوبات لم يسبق لها مثيل.
سنواصل كذلك دعم الحكومة الأوكرانية في مواجهة هذا الاعتداء على سيادتها وسلامة أراضيها. قدمت المملكة المتحدة أسلحة دفاعية للمساعدة في زيادة القدرة الدفاعية لأوكرانيا، وقد أعلنا عن حزمة دعم بقيمة 140 مليون جنيه إسترليني، وسنبحث ما يمكننا القيام به أكثر لدعم اللاجئين والبلدان التي تستضيفهم. وللمساعدة في تخفيف الآثار الاقتصادية على الاقتصاد الأوكراني بسبب العدوان الروسي، وضعنا أيضاً حزمة دعم اقتصادية جديدة بملايين الدولارات لأوكرانيا، تضمن ما يصل إلى 500 مليون دولار على شكل قروض. إن هذه الآثار الاقتصادية تتجاوز أوكرانيا أيضاً، إذ أدى الهجوم الروسي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ولا سيما القمح، في جميع أنحاء العالم.
لا يتعين علينا أن نفكر ملياً لنرى أوجه التشابه في تاريخ العراق، حيث سيشير البعض إلى أفعال المملكة المتحدة تجاه العراق، لكن هناك اختلافات جوهرية في ما يتعلق بذلك، إذ إن المملكة المتحدة كانت جزءاً من محاولة للإطاحة بدكتاتور انتهك القانون الدولي وهاجم شعبه، ولم تكن هذه محاولة لضم الأراضي، فبالنسبة للعراق، بعد واحد وثلاثين عاما من تحرير الكويت، أصبح محقاً في أن يتطلع إلى المستقبل. وكما قال السيد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، فإن العراق يشرع في "فصل جديد في رحلته الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وستكون هذه حقبة لدور إقليمي ودولي أكثر بروزاً، يتناسب مع الأهمية التاريخية والثقافية للعراق وللمنطقة والعالم، حقبة سيكون العراق خلالها عضواً فاعلاً ملتزماً بتطلعات وأهداف المجتمع الدولي".
إن ما يجعل الأمر محزناً أكثر هو أن نرى، وإن كان عدداً قليلاً فقط من الأصوات المنعزلة والمضللة، من يستخلصون استنتاجات خاطئة للعراق، بأنه ينبغي أن يتطلع إلى القيام بالدور الروسي. وبغض النظر عن أن مثل هذا السلوك ينتهك القانون الدولي ويتسبب بمعاناة غير ضرورية، فإنه يتغاضى عن التضحيات الهائلة التي قدمها العراق لتأسيس ديمقراطيته وحمايتها وبناء علاقاته الإقليمية والعودة إلى لعب دور إيجابي في مجتمع الأمم الأوسع نطاقاً. إن صوت العراق مهم، وعلى عكس روسيا، ليس لدى العراق ما يخشاه من الدول ذات الديمقراطية الريادية، إنه أحدها.