كراسة هاشم البغدادي) السحر الذي لا ينتهي)

ثقافة 2022/03/02
...

 مرتضى الجصاني
رغم أن الخطاط هاشم البغدادي أطلق على كراسته اسم «قواعد الخط العربي» إلا أنها اشتهرت باسم كراسة هاشم البغدادي، والحديث عن هذه التحفة الفنية يطول لكن نحاول أن نلقي الضوء عليها كمنهج تدريسي وكعمل فني متكامل، إذ يستهل المرحوم هاشم البغدادي كراسه بكلمة يستعرض فيها تاريخ الخط في بغداد وسلسلة الخطاطين من ابن مقلة إلى حامد الآمدي، إذ كتب المقدمة بخط الإجازة الرشيق الذي عرف به البغدادي والذي يعد من أجمل الخطوط التي كتبها المرحوم هاشم، ثم يستعرض بعض المعلومات التي يحتاجها الطالب في تعلمه لأصول الخط وقواعده الأساسية ثم يدخل على الخطوط الأساسية ويبدأ بخط الثلث الذي كتبه على طريقة الخطاطين القدامى ولكن بروحية ونفس هاشم البغدادي، إذ امتازت خطوط البغدادي بالرشاقة والنظافة والقوة كلها تجتمع لتخرج أسطرا تشبه السلاسل الذهبية ثم ينتقل في كراسه إلى خط النسخ الذي كتبه لغرض وظيفي إذ يمتاز بسمك أكبر ووضوح أدق وهذا يخدم عناوين الكتب والأسماء أثناء الطباعة بحيث تظهر كاملة من دون حذف أو اختلال أثناء الطبع وهو غرض تجاري ووظيفي مهم كان في حينها ضروريا، وذلك لضعف تقنيات الطباعة في ذلك الوقت. 
بعد ذلك يدخل إلى خطوط الجلي الديواني والديواني وخط النستعليق، حيث يكتب البغدادي حروف الجلي ديواني بحبكة وكتلة متكاملة لا تجد فيها خللا أو فراغا أو حروفا ضعيفة بالعكس حيث تكوّن حروف البغدادي كتلة وقوة في التركيب وأشكالا جمالية بديعة مبتكرة والشيء ذاته في خطوط الديواني والنستعليق الذي يكتبه على خطى الخطاطين الأقدمين من أمثال مير عماد الحسني وغيره، بعد ذلك يتناول كراس البغدادي خطوط الرقعة والإجازة وخط الرقعة له نكهة خاصة عند المرحوم هاشم حيث يكتبه بشكل جميل وواضح وهو على عكس ما كان يكتبه الخطاطون العثمانيون الذين يتميزون بخط رقعة «مقرمط» حروفه صغيرة وتكاد تكون ملتبسة على المتلقي حيث هناك بعض الحروف تتغير أشكالها تماما، لكن هاشم البغدادي يكتبها بصيغة خاصة به وأصبح أسلوبه هو النهج الذي سار عليه مئات الخطاطين من بعده لأنه يعطي الحرف حقه من الشكل والكتلة والتوازن، ويختم البغدادي كراسه بخط الإجازة الذي بدأ به المقدمة. وخط الإجازة عند هاشم البغدادي يتخذ أسلوبا خاصا امتاز به وتميز به عن جميع الذين كتبوا هذا الخط من قبله لأنه مع قوة حروفه يدخل ذائقته الفنية حيث من المعروف أن خط الإجازة هو مزيج بين خطي الثلث والنسخ والبغدادي بذائقته الفنية الرفيعة يتحكم بأشكال واتصالات الحروف حسب الشكل الجمالي للسطر واتصالات حروفه المتناغمة مع بعضها لدرجة أنك لا تجد شكلا نشازا بين حروف السطر الذي يكتبه مما جعل أسلوبه في خط الإجازة أسلوبا متفردا يجمع بين الذوق والليونة والتناغم. 
ومن الجدير بالذكر أن كراسة «قواعد الخط العربي» تم طباعتها لأول مرة في بداية الستينات من القرن السابق من ثم طبعت عشرات الطبعات بعضها منقح وبعضها يحوي حذوفات، لكن الأمر الذي يهمنا أن هذه الكراس قد خرّجت مئات من الخطاطين الذين لم يلتقوا بهاشم البغدادي على أرض الواقع لكنهم استنشقوا عبق قلمه وتعلموا على يده وأصبحت هذه الكراس هي المرجع الأهم على مدى عقود من الزمن في تصنيف الحروف وجمالياتها والرجوع إليها إذا التبس خلاف على تفصيلة ما عند الخطاطين. حيث طبعت كراس «قواعد الخط العربي» في وقت لا يتوفر فيه هذا الكم الهائل من الأصول الخطية التي ظهرت مؤخرا وهذا يجعلنا أن نتأمل عبقرية المرحوم هاشم البغدادي في جهوده التي بذلها في سبيل إنتاج منجز فني أصبح منهجا مهما في تعليم الخط العربي وهذا المنجز المهم الذي لا يستغني عنه كل خطاط يتجدد مع مرور الزمن ويتخذ أشكالا متعددة من حيث الروحانية وعبق أقلام هاشم البغدادي الخطاط. أستاذ الأجيال التي تربت على كراسته ولا عجب إذا عرفنا أن أساطين الخطاطين المعاصرين كانوا يتدربون على حروف كراس هاشم الخطاط الذي توفي في عام 1973 لكن حروفه وسواد حبره باقيان ما بقي الدهر.