الشعراء الشباب المُلوَّنون يُعَبِّدون طريق الشعر الذهبي

ثقافة 2022/03/02
...

 ليا اسميلاش
 ترجمة: محمد تركي النصار
 
كان الناس في الماضي ليس البعيد جداً يذكرون فقط في أحاديثهم اثنين أو ثلاثة شعراء غالباً ما يكونون من الشعراء البيض الموتى: وليم شكسبير، روبرت فروست ووالت ويتمان.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تغييراً، فأماندا غورمان مثلاً وبعد قراءة قصيدتها المميزة في حفل تنصيب الرئيس جو بايدن قبل عامين قدمت أنموذجا لافتا وتمت دعوتها إلى ميت غالا وهو المكان الفخم الذي تقام فيه أهم مناسبات جمع التبرعات.
أما بالنسبة لروبي كور التي أصبح شعرها مشهورا في وسائل التواصل الاجتماعي فقد أصبحت نجمة معروفة في الأمازون، ولأول مرة منذ عام 1998، منحت مؤسسة ماك آرثر قبل عام منحتها القيمة الى ثلاثة شعراء شباب هم: حنيف عبد الرقيب، دون مي شوا وريجنالد دوين بيتس. 
وبالرغم من أن الشعر كان على الدوام موجودا ومرت به تيارات مختلفة بأسماء تثير الإعجاب، لكن هذا الجنس الأدبي يعيش اليوم حضورا أقوى في الخيال الجمعي متخلصاً من فترات تراجع عاشها عندما كان طلبة المدارس والجامعات يصابون بحالات من الخمول والنعاس وهم يسمعون القصائد أو يكونون مطالبين بالكتابة عنها لاجتياز امتحاناتهم الدراسية.
إنَّ أغلب من يتصدّرون المشهد الشعري الآن هم الشعراء الملوّنون الذين لم يتم فسح المجال أمامهم في الماضي برغم أنّهم يعيشون في الولايات المتحدة الاميركية منذ زمن بعيد.
ويتذكر تايهمبا جيس الفائز بجائزة البولتزر وصاحب المجموعتين الشعريتين زمناً في بداية التسعينيات عندما كانت فكرة متابعة الشعر أو العمل المتفرغ في الميدان الفني والأدبي أو النشر في المطبوعات الأدبية غريبة بالنسبة له تماماً.  
 وابتداءً من عام 1997 بدأ جيس العمل لمؤسسة كيف كانم التي تساعد الشعراء السود في الولايات المتحدة، وكانت المؤسسة في بداية انطلاقتها وعدد كتب هؤلاء الشعراء قليلة جدا وتصدر في فترات متباعدة، لكن كما يقول جيس فإن العمل لتلك المؤسسة هو ما ألهمه لمتابعة الشعر بطريقة احترافية.
خلال الثلاثين سنة الأخيرة حدثت نهضة للشعر الملوّن وحصل ذلك خصوصاً بسبب دعم المنظمات والزمالات لمؤسسات مثل كيف كانم المؤسسة الاميركية التي تعنى بشؤون الشعراء الملوّنين، فضلاً عن جهات أخرى مثل مجلة اوبسيديان الأدبية المخصصة لشعراء الجنوب من أصول أفريقية.
تعمل جميع هذه المؤسسات في ظروف صعبة مدفوعة بالأمل والإيمان القوي بقوة الكلمة وحضور الشعراء المؤثر لإحياء ولو جزء من روح تاريخنا الذي تم تجاهله كما يقول الشاعر جيس الذي يؤكد على تأثير تلك الزمالات ودور المؤسسات الأدبية لأحداث هذه اللحظة المشرقة التي نراها الآن بحسب تعبيره.
وبوصفهم كتابا ملوّنين تتمّ مساعدتهم بعملهم الإبداعي ويواصلون ليكونوا أساتذة أو فنانين يدرسون أو محررين وكتابا، حيث يخلق هؤلاء منافذ للنشر بالنسبة لبقية الشعراء الذين ينتمون للمجموعات المهمّشة.
العديد من الناس يقرؤون القصائد خصوصا من الملوّنين، لكن الشعر بوصفه فناً يجذب أيضاً العديد من الكتاب المهمّشين أكثر من الوسائل التعبيرية الأخرى بسبب الرفض المتأصل فيه لأي جواب جاهز، الأمر الذي يخلق فضاءً يستوعب فوضى التجربة البشرية، كما تقول ادا ليمون التي فاز كتابها (الحمل)  بجائزة الكتاب الوطنية للنقاد.
وبالنسبة للكتاب الذين يتواجدون بين هذه الفضاءات، يكون الشعر هو المكان الذي تستكشف فيه هويتك الغامضة ويكون ذلك استنطاقاً عميقاً للإجابة عن سؤال من نحن، كما تقول ليمون (إنَّها ليست قضية هذه الطريقة أو سواها، بدلا من ذلك تقول القصائد: نعم، أنا أيضا، نعم هذا كذلك).
ووفقا لتجربة ليمون فإن الكتاب الملوّنين وهؤلاء المنتمين للمجموعات الأخرى المهمّشة كان عليهم مقاومة التبسيط لهوياتهم بقصائد أكثر من الروايات لأنَّ الشعر يقاوم الاختزال، والأجوبة الجاهزة كما تقول ليمون التي تشير إلى مسألة القراءة أيضاً، إذ تقول إنَّ الشعراء السود الأميركان، والآسيويين الأميركان وغير البيض والذين ليسوا من أصول اسبانية يقرؤون الشعر باهتمام كبير الآن وفقا لدراسة نشرت عام 2018.
إنَّ قرّاء الشعر كبر عددهم اليوم وخصوصا الشباب من الأعمار بين 18 و 24 الذين يتصدرون القائمة. 
 روبي كور التي نشرت كتابها الثاني (الشمس وأزهارها) عام 2017 هي بلا شك واحدة من بين هؤلاء الشباب الذين بدؤوا الكتابة في بواكير عام 2010 من خلال التركيز على الكلمة المنطوقة إذ بدأت قصائدها المميزة القصيرة ورسومها تنتشر بسرعة في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وتفتخر كور الآن بأن أكثر من أربعة ملايين شخص في الانستغرام يتابعون ما تكتب فضلا عن كتبها الثلاثة المنشورة.
 وعندما يسأل أحد كور عن سبب تحقيق قصائدها هذه الشهرة والاهتمام تجيب بأن كتابتها تركز على التجربة الشخصية وجمهورها يجد نفسه في قصصها والكلمات التي تكتبها: (أنا أحفر عميقا في داخل حياتي الشخصية، وأتحدث عن كيفية تأثير الحزن والصدمات والضياع على شخصيتي محاولة استخدام عبارات تعكس ذلك الحزن الموجع في قصائدي، وكتبي ببساطة هي نتاج عملية متابعة واهتمام شخصيين)، هكذا تحدثت كور في مقابلة مع سي أن أن. إنَّ قوة انتشار الشعر وحضوره يتلخصان بأنه لم يعد محصور التداول في حلقات النخب الأدبية فقط كما كان سابقا، والكثير من العوامل أسهمت في زيادة هذا الانتشار مثل المدونات الصوتية التي ساعدت الشعراء على الوصول بالكلمة المنطوقة، غير أنَّ العامل الأهم في هذا الحضور هو وسائل التواصل الاجتماعي.
وبرغم عيوبها الكثيرة تقول إحدى الدارسات إن وسائل التواصل حققت شيئاً مدهشاً للشعر وهو أنها أتاحت العديد من الطرق لجعل الشعر يصل مجاناً لكل الشغوفين بقراءته.
عن موقع السي أن أن