أقصوصتان

ثقافة 2022/03/04
...

  محمد عبد حسن 
 
أحد ما هناك
لم أكن قد غفوتُ بعد حين سمعت طرقًا على الباب. أيقنتُ أنّه ابني.. وكنت أرقدته في الغرفة المجاورة، إذ لا أحد غيرنا في الدار.
حين فتحتُ الباب وجدته واقفًا: أسمع صوت طفل يبكي. قال ذلك وعيناه محتقنتان. قدته من يده وأرقدته على سريره. وعندما غفا أوصدتُ النافذة المفتوحة وسحبت الغطاء على جسده.. ثم نهضْتُ متتبّعًا الصوت الصادر من مكانٍ ما في دار لم يكن فيها غيرنا: أنا.. وهو.
عندما توسطتُ الباحة سمعتُ بوضوح خطوات الصوت تهبط السلّم. رفعتُ رأسي.. رأيته جالسًا على حافة نافذة بسطة السلّم. ولمّا تذكّرتُ أنّي في المرة السابقة، وكنت قد صعدتُ على مهل كي لا أفزعه فيسقط، لم أدركه؛ طويتُ السلّم طائرًا. احتضنته ورجلاه متدليتان إلى الخارج:
ماذا تفعل هنا؟!
أنظر إلى نفسي هناك.. وأراك وأنت تهبط من النافذة لتأخذني.
كان يشير بإصبعه الصغيرة إلى مكان أسفل الجدار لم أستطع، كلّما نظرتُ إليه، رؤيته. أنزلته عن حافة النافذة.. ثم أوصدتها. حملته إلى سريره في الغرفة المجاورة لغرفتي في دار قديمة لم يكن فيها غيرنا: هو.. وأنا.
 
سلّم أبي
خرج أبي ذات صباح ولم يعد. وحين رأتْ أمي أنْ لا أحد، ممّنْ كان يعرفهم، يسأل عنه.. وأنّ الطَرْق على بابنا قد شحَّ حتى انقطع.. حين رأتْ أمّي ذلك؛ أيقنتْ أنّه هناك. ثمّ بدأتْ ملابسها تسود.. وأغراض بيتنا تتناقص، وما كان يتهالك منها كنّا نحمله، أنا وهي، إلى غرفة السطح. حدث لك ذات صيف بعيد.
الصدفة وحدها قادتني إلى تلك الغرفة، وهناك: عند أحد أركانها.. تعثّرتُ بالخشب الذي كان أبي قد قطّعه ليصنع منه سلّمًا.
عادت إليّ صوري وأنا معه، مرّات عدّة على السطح، أتابعه وهو يرتب الخشب: قاعدة عريضة وأخرى ضيّقة.. يبتعد قليلًا لينظر إليه.. ثم يعود ليضع قياساته على ساقيّ السلّم الطويلتين بقلم (قوبيا) بعد أنْ يعيد ترطيبه بلعابه.
إلا أنّه، في كلّ مرة يهمّ بتثبيت قطع الخشب، مختلفة الأطوال، على الساقين.. يحدث ما يشغله؛ وعندها كان يأمرني بجمع الخشب والعدّة، وما تناثر من أشيائه الأخرى، وإدخالها، كلّها، إلى غرفة السطح.
عندما رأيتُ الخشب أمامي؛ قررتُ أنْ أنجز السلّم. لملمتُه والعدّة المبعثرة وحملتها إلى السطح. أعدْتُ خطوات أبي: وضعتُ الخطوط على الساقين بقلم وجدته هناك، ثم وزّعْتُ الدرجات. وقبل أنْ أبدأ بالتسمير ابتعدتُ قليلًا لأرى كيف سيبدو سلّم أبي حين أنجزه.
كانت المطرقة بيدي حين رنّ جرس الباب، أعقبه صوت يناديني لأنزل. تركتُ المطرقة على الخشب.. والمسامير على الأرض، ونزلتُ.
لا أدري كمْ من الوقت مرّ حين تذكّرتُ ذلك ذات مساء؛ فأمرتُ ولدي أنْ يجمع الخشب والعدّة من على السطح ويدخلها إلى الغرفة، هناك، لئلا يتلفها المطر. كان الشتاء قريبًا.