قصيدتان

ثقافة 2022/03/04
...

 غريب إسكندر
 
الشَّرْخ 
 إلى علي حاكم صالح
 
لا ألمحُ شيئاً
كل ما أراه بياضاً تنسجُهُ العَتَمةُ
يقولُ الصُّوفِيُّ: الوجودُ ظلُّ الحقيقة
يرى في النهارِ أغنيةً
وفي الليلِ ناراً
ويظنهما الهرمَ الكبير. 
لا ألمحُ شيئاً البتَّة 
أتأملُ الجدارَ الوحيدَ الذي يُحيطُ بي
سجني هو، ببساطةٍ، هذا العالم
عندما تغيبن عنه
فلماذا لا تتحدثين عن الصمتِ وشهوتِهِ المقدسة؟
عن الوحدةِ ومائها الذي ينبعُ في أعيادٍ غامضة؟
هذه هي العين الأخرى 
هذا هو معنى العزلة
معنى الفن 
تفزعني أيُّها السّادةُ يدُ الألوان 
ترسمُ نفسَها بنفسها 
لا دخلَ لي بالحجارة وأديمها القديم
لا دخلَ لي بالبَعْل السماوي
والبَعْل الجهنمي
لا دخلَ لي بالأضحية التي ذُبِحتْ 
وتلك التي تنتظرُ
بالدموعِ التي جرتْ وتيبَّسَت. 
ها أنا أحفظُ تاريخَ بلادي عن ظَهْرِ قلب 
كما لو أنني عشتُ آلافَ السنوات
كم مرةً ينبغي عليَّ أنْ أموتَ
كي أحصي هزائمَهُ وانتصاراتِهِ
بودي لو أجمعُ السحرةَ ثانيةً 
ببابلَ
وأسألُهم عن القرابين السامية
في وَصَفات الطغاة
بودي لو أضعُ دمي الملوثَ
في زجاجةٍ قديمةٍ وأوْدعُها في قبرِ خوفو
وأدعي أنني كنتُ هناك قبل أربعة آلاف عام  
بودي لو أدوّنُ البحرَ
أكتبُ عن زرقتِهِ فقط
عن حقيقتنا الوحيدة 
نعودُ يوماً ما اليها كقطراتٍ ظامئة.
 
شرقٌ آخر
شرقٌ آخر
اصطحبني معه 
لسماع الأغاني الثكلى
لكنَّ قبل نزولي القبو المظلم
رأيتك وحدكِ
تعزفين على آلة صدئة
كلَّ تلك السنوات التي 
لم تمضِ تماماَ بعد!
كانت قدمايَّ تسيران خلفي
ويداي تركتهما في مكان آخر
يكتبان عنكِ أغنية جديدة
قلبي هو الآخر
كان يغني تارة
ويصمت أخرى
لا فرق 
الكلُّ سأمَ الكلَّ
ولم يتبقَ غير الصدى
في ذلك المكان البعيد.
خيانةٌ أخرى ابتدعها هذا الشرق
ظلَّ يتحدثُ عن المعنى فقط
نسي الملكوتَ الآخر
الجسدَ
نسي الأرضَ
الطبيعةُ أيضاً صلاةٌ
مئذنةُ الروح قوامٌ آخر لها
نتقرّبُ بها إليها
هذه واحدةٌ من الطرق الفاشلة
لتبرير الوحدة التي لن يتمَّها
الموت
وكذا الوهج الذي يستبطنه 
يتشبه به
يفترق عنه
يقتربان
ثم يبتعدان
كحدود الضغينة التي قسّمت 
الروح الواحدة
إلى أشلاء شتى!
لا أقصدُ الشرقَ
شرقنا نحن
شرق الجغرافيا
شرق التاريخ
أو “شرق” الغرب
الذي ظل مشغوفا بالحريم
حتى استبدله بالنفط
دم الأرض الأسود
الذي صار أحمر تماماً
في النسخة الأميركية الجديدة
لألف ليلة وليلة!
كان علينا أن نحترق
إذن
ألّا نرى أحداً سواكِ
لا آلة سوى القلب
لا جسد
سوى هذا المنفى 
الذي يُصلبُ 
كل يوم 
على أعمدة المعنى
كخطيئة أو صلاة!