ياسر المتولي
صحيح أن الدولار هو سيد العملات التي يتفق العالم على تعاملاته المختلفة، ما يضفي عليه صفة القوة والسيف ذي الحدين، وكمعيار لمدى قوة وضعف العملات المحلية للدول إلا أنه نار لاهبة تحرق اقتصادات الدول النامية الضعيفة. ففي حالة مثل التي يمر بها العراق فإن البلد يقع بين نارين أحلاهما مرٌّ، حد السم القاتل، والمتمثل بالاقتراض الخارجي، وثانيها مرارة التذبذب في سعر صرفه وعدم استقراره عند سعر معين. والناران هما من صنيع البلدان المتعاملة مع الدولار وتبعاً لسوء إدارة التعاطي مع سيد العملات.فبالنسبة للحالة الاولى فإن أغلب الدول النامية والضعيفة تستسهل عملية الاقتراض الخارجي لترقيع اوضاعها الاقتصادية المشوهة سواء بسبب ضعف إدارة الموارد او اقحام نفسها بحروب عبثية وأحداث لا تشبع ولاتسمن وأحياناً لظروف قاهرة خارج إرادتها. وهنا يبرز (فخ الإصلاح) الشعار الذي يتبناه صندوق النقد الدولي والذي يعرض خدماته الاقراضية من خلاله خدمات ظاهرها مجانية وباطنها مكلفة بأضعاف مضاعفة، وهذه الخدمات يقدمها الصندوق ليس لكحلة عين الدول إنما لإملاء شروطه وغاياته، وهنا تقع الدول في (فخ الإصلاح) وغالباً ما تقود نصائحه الى خلق ضاغط اجتماعي يربك المعالجات. عودة لأزمة سعر الصرف التي تدور رحاها بين المواطن من جهة والادارة المالية التنفيذية والسلطة التشريعية من جهة اخرى، فعند شروع الادارة المالية باصدار قرارها برفع سعر الصرف لصالح الدولار بمبررات كانت واقعية ومقبولة من قبل الجميع، إذ كان الهدف تفضيل تغيير سعر الصرف على الاقتراض الخارجي والداخلي لتفادي الوقوع في فخ الإصلاح وبهدف معالجة نقص الموارد المالية (السيولة) التي لاتغطي احتياجات البلد الى جانب هدف تفعيل القطاعات الانتاجية من جهة ثانية. بمعنى أن قرارها سليم بالمقابل فإن المواطن -كعادته معروف بمواقفه المشرفة في المحن- رضخ لإجراءات الإدارة المالية وسكت وانتظر. ولكن ما الذي خلفه القرار ليثير زوبعة الاعتراضات وصيحات إعادة سعر الصرف الى سابق عهده؟. الذي حدث أن آثار الصدمة واقصد قرار رفع سعر الصرف كانت مؤثرة في رفع نسبة التضخم، وهو أمر طبيعي فارتفعت الاسعار بنسب غير موازية لفرق السعر، إذ استغل بعض التجار الظرف فانفرط الاستقرار النسبي للسوق العراقية.
وبعد تحسن أسعار النفط بدأ المواطن يتململ من الحالة والسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية وهي حالة عامة لم تشمل الطبقة الهشّة فحسب وإنما شملت الوسطى والمترفة أيضاً وذلك لفقدان الرقابة والسيطرة على الأسعار هذا أولاً، ومن ثم فإن وعود الادارة المالية لم تنفذ بمعالجة أمور الطبقة الهشة (الفقيرة) كما لم تنشط القطاعات الانتاجية. النغمة الجديدة او الذريعة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية جاء لارتفاع الأسعار عالمياً، وهذا غير صحيح لأن الزيادة القادمة ما زالت في الطريق ولم تبدأ بعد، عليه يتعين فسح المجال أمام الادارة المالية لايجاد السبل الكفيلة والإجراءات السليمة لا الترقعية لمواجهة خطر موجة الأسعار العالمية الزاحفة التي نبهنا عنها هنا في هذه الصفحة في مقال سابق منتصف تشرين من العام المنصرم.