ماذا لو بعنا الموناليزا؟

ثقافة 2022/03/06
...

 كامل عويد العامري
لقد أدى وباء كوفيد- 19، وعواقبه (العزلة والتباعد الاجتماعي) إلى أن يواجه قطاع الثقافة أزمة عميقة، ماذا لو عرضت فرنسا، لوحة دافنشي للبيع؟. هذا هو الاقتراح الذي وضعه ستيفان تستانغان في كتابه الذي صدر في 19-01-2022 عن دار JC Lattès
 
بالرغم من أن هذه الفرضية استفزازية وفكرة مجنونة إلّا أن الكاتب مقتنع تماما لتحطيم المعتقدات التقليدية، على حد قوله. “ماذا لو بعنا الموناليزا؟”، هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي، في نيسان 2020، عندما توقف العالم كله عن التنفس وكان يستعد لأزمة اقتصادية غير مسبوقة، ومع ذلك، كنت مدفوعًا باهتمام واحد: كيف أجد المال لإنقاذ عالم الثقافة والسماح للفنانين بمواصلة كتابة المستقبل، “دعونا نتذكر، أن الثقافة اعتبرت غير أساسية خلال هذه الأزمة بينما كانت روح هذا البلد، وسبب وجوده”.
لقد طرح الكاتب أسئلة عديدة: ما هو الرمز الذي تمثله الموناليزا؟ 
من تنتمي، وما هي قيمتها؟ ماذا نفعل بكل هذه الأموال؟ فهو يرى أن الحاجة إلى المال، أصبح من الضرورة بيع الأعمال الفنية لتجديد خزائنها ولتكون بديلاً مقبولاً للدول المثقلة بالديون.
كم هي قيمة الموناليزا؟، قد يكون هذا السؤال العاطفي صادما لأنه يرتبط بالتراث الثقافي الفرنسي، ولأنه جوهر الموضوع، يجب أن يكون السعر مجنونًا حتى تكون العملية منطقية. بما لا يقل عن 50 مليار يورو. قيل لي إن تقديري كان مبالغًا فيه للغاية، بل إنه غريب الأطوار، لقد بيعت لوحة “سالفاتور مندي”  لدافنشي بـ 450 مليون دولار لينتهي بها الأمر على متن يخت أمير سعودي، وأعارت إيطاليا لوحة “الرجل الفيتروفي” للفنان نفسه أيضا، مقابل وديعة قدرها مليار.
وأعلى قيمة مؤمنة في التاريخ، بحسب “موسوعة غينيس”، التي قدرت قيمتها بـ 100 مليون دولار، عام 1962، قبل جولتها في الولايات المتحدة. اليوم، سيقترب سعر الموناليزا من مليار يورو. يتضح هذا من خلال السياح الذين توافدوا إلى متحف اللوفر لإلقاء نظرة على اللوحة الإيطالية.
مع ديون تبلغ 2000 مليار يورو سيكون لمدينة النور التي تضم 173 متحفًا، بهذه التحفة، واحدة من أغنى مدن التراث الثقافي في العالم، والكثير لإنقاذ البلاد. وستسدد التحف الانطباعية في متحف أورسيه ديون باريس، والتي من المفترض أنها بلغت نحو 4 مليارات بحلول نهاية عام 2014.
وكيف يمكن بيعها؟ يذكر المؤلف: هناك سوابق، ومن دون ذكر المبيعات العامة الكبيرة التي مولت الثورات، في عام 2014، كلفت مدينة ديترويت، المفلسة آنذاك، دار كريستيز بتقييم أعمال متحفها. كان المبلغ الإجمالي التقديري لواحدة من أرقى المجموعات في الولايات المتحدة هو 866.9 مليون دولار بالضبط (عدد قليل من الأعمال، بما في ذلك نافذة لماتيس أو صورة ذاتية لفان كوخ تقدر قيمة كل منهما ما بين 100 و150 مليون دولار).
وهنا يمكن التفكير، يقترح الكاتب، في “ترميز” الموناليزا، إنشاء تمثيل رقمي للأصل على موقع بلوكتشين مستكشف ومحفظة العملات المشفرة، يشبه إلى حد ما إنشاء عملة أساسها اللوحة من أجل السماح بإدارتها ومقايضتها، بشكل فوري وآمن. وقد استفاد الفنانون المعاصرون من هذا النظام لتحقيق الدخل من أعمالهم. ولهذا الحل العديد من المزايا أهمها أنه يتيح لفرنسا ومتحف اللوفر بالاحتفاظ بالسيطرة والقدرة على استغلال اللوحة.
وهناك حل آخر يصفه الكاتب بأنه “الانقلاب” إلى حد ما نفذه في سويسرا موقع شراء جماعي اقترح على 25 ألفًا من أعضائه جميعا شراء لوحة “الفارس” لبابلو بيكاسو ثم التصويت لصالح المعرض واستغلال العمل. ابتكر الموقع أيضًا طرقًا مبتكرة (كاميرا ويب، ثلاثية الأبعاد) لإتاحة الوصول إلى اللوحة لمالكيها المذكورين.
وحل آخر يأخذ بعين الاعتبار مسارًا آخر وهو الرياضة. في كرة القدم، حيث تربط العلامات التجارية أسماءها بالملاعب، فلماذا لا يكون الشيء نفسه مع الموناليزا؟ ذلك أن قيمة الموناليزا تكمن في عدم قابليتها للتصرف، فهي تنتمي إلى الإنسانية، وليس للفرنسيين أو الإيطاليين. فإذا ما بيعت وغادرت اللوفر، ستفقد مكانتها. 
بشكل عام، فإن قيمة أي عمل هي “سياقه”: على حد قول الكاتب: “ما يشتريه الجامع هو شيء آخر غير العمل نفسه. وشراء السياق أسهل ويمكن التواصل معه بشكل أكبر مع الفن المعاصر لكن الكاتب يتراجع بالقول: “إذا لم تكن الموناليزا، آمل أن نتمكن من الاتفاق على أعمال أقل إثارة، للسماح للفنانين بإنشاء الموناليزا المستقبلية.
**
وفي سياق ردود الأفعال على هذا الطرح، لم يجرؤ أحد في فرنسا سوى عدد قليل من المتمردين، في ذروة الأزمة، على عرض بيع الموناليزا، فهل تتخلص من تراثها الثقافي لتخفيف عبء الديون؟
القانون الفرنسي يحظر بيع المواد من المتاحف العامة. تنص المادة 451-5 من قانون التراث على أن “الممتلكات التي تشكل مجموعات متاحف فرنسا التي تملكها شخصية عامة هي جزء من الملك العام وهي من ثم غير قابلة للتصرف”.
وهنا يعني تغيير القانون. لكن التغيير قد يؤدي بالمانحين، وهم الموردون الرئيسيون للمتاحف، إلى معارضة أي بيع أو حتى استعادة ممتلكاتهم. فضلاً عن مشكلة شائكة تتعلق بالمزايا الضريبية للتبرع بلوحة فنية.
في غضون ذلك، اكتفت باريس ببيع بعض جواهرها المعمارية. المباني العامة، والمساكن المرموقة في خارج البلاد.. وحتى أفضل أنواع النبيذ من أقبية قصر الإليزيه. ومؤخرًا باعت فرنسا مركز المؤتمرات الدولي التابع لوزارة الخارجية، وأصبح قصرًا قطريًا صينيًا..
لقد سمحت كل من ألمانيا والدنمارك وهولندا والولايات المتحدة، ببيع الأعمال الفنية بشروط معينة. وفي نيسان 2013، قررت ديترويت، المفلسة، على سبيل المثال، عرض مجموعة متحفها المحلي للبيع. وقدرت أعمال فان كوخ وبيكاسو، بأكثر من 11 مليار يورو، كافية لسداد ديون المدينة الأميركية.
وأوشكت البرتغال عام 2014 على بيع مجموعتها المؤلفة من 85 عملاً للفنان الإسباني خوان ميرو، والتي تقدر قيمتها بأكثر من 36 مليون يورو. وهكذا اتخذت المديرية العامة للتراث البرتغالية، قراراً ضد التصنيف، الذي يزيد من صعوبة إخراج الأعمال من البلاد وبيعها في مزاد علني، وتشمل هذه المجموعة بشكل خاص واحدة من روائع الرسام، “نساء وطيور وقمر”، تقدر قيمتها ما بين 4.8 و 8.4 مليون يورو. ووصف المختصون الأعمال المعروضة في المزاد بأنّها “واحدة من أكبر مجموعات أعمال الفنان وأكثرها إثارة للإعجاب”، وقد شجبت الأوساط الثقافية والمعارضة اليسارية بيع تراث البلاد. ومع ذلك، فإن المبلغ المتحصل مجرد قطرة ماء مقارنة بديونها البالغة 210 مليارات يور. لكن المسؤولين عللوا سبب هذا الإجراء إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد.
وبغض النظر عما طرحه الكاتب، إلّا أنه يأخذ القارئ في رحلة في سوق الفن ومزاداته.
**
Et si on vendait la Joconde ? - Stéphane Distinguin   2022