الحرب قتلت دوستويفسكي

ثقافة 2022/03/08
...

  موج يوسف 
لا أنوي الحديثَ عن تجليات الحرب وما تركته من عاهات في ذات الإنسّان، والأديب بشكل خاص، وهذا الأخير كان ومازال يدفع ضريبة تلك الوحشية وصراع القادة، التي زجت نفسها عنوةً في الأدب منذ مئات السنوات. ولعل أقدم نصّ أدبي ظهرت  ملامح الحرب عليه هو: ملحمتا (الإلياذة والأدوسيا) للشاعر اليوناني (هوميرس) الذي أدّخل معركة طروادة ضمن الملحمة. وفي الجانب الثاني ونقصد به العربي القديم لم يخلُ من الحروب، بل كان يتغنى به سيما شعراء المعلقات في العصر الجاهلي، فمعلقة زهير بن أبي سلمى قد مدح فيها الصلح والذين كانوا سبباً بوقف الحرب التي وصفها: (وما الحربُّ الا ما علمتم وما ذقتم/ وماهو عنها بالحديث المرجم). 
لكن نجد صاحبه عمرو بن كثلوم الذي كتب معلقته على قرع طبول الحرب، ولم يكن شاعراً فقط بل كان مقاتلاً، ممّا ظهر العنف في معلقته وهو يتلذذ بمظاهر القتل وقطع الرؤس: نشقُّ بها رؤس القوم شقاً. لكن البلاغة العربية ارتكتب جريمتها في رصد هذه الصور على أنها أعذب ما قيل في اللغة والصور البلاغية، دون النظر إلى الجانب الإنساني في الشعر. ظلت الحروب هي المنتصرة بالرغم من إدانتها، ووضع قوانين قاهرة على الذي يُقبل عليها في محاولة لردمها، وحاول التطور الفكري والفلسفي، والأدب ايضاً  الذي اعتنى بالإنسان وكرامته، لردم فوهة الحرب، لكنّهم لم يستطيعوا. فحتى أدباء العصر الحديث قد أدانوا الحرب فشسكبير في مسرحياته الملك لير، والساحرات سخر من القادة وتنافسهم على الحكم ممّا أكثر من ثيمة الخيانات، والكاتب الايرلندي (لرونس سترين) في روياته (حياة السيد النبيل تراسترم شاندي) التي صدرت عام 1769 والتي ترجمها إلى العربية الشاعر المصري حسين حجازي، قد هجا لرونس المتحاربين وأكد أن جميع الحروب هي سخرية من الشعوب. يبدو أنني اسهبت في حديثي عن الحروب التي لم خذلت الأدب بفعلتها الأخيرة وما أعنيه الحرب الاخيرة التي استنفر العالم كلّه في محاولة خجولة لوقفها ولم يفلح، لكن الجريمة الأكثر هي: أن يعاقب الكاتب بلا جريمة!! دوستويفسكي الكاتب الروسي الذي عوقب مؤخراً بحظر تدريس أعماله في جامعة بيوكا الإيطالية وهذا ما صرّح به أحد أساتذة الجامعة الذي يدرس الأدب الروسي فيها أنه تلقى أومر بمنع تدريسه وإلغاء سلسلة من المحاضرات في أعمال الكاتب الكبير وقال: "كاتب كبير حكم عليه بالإعدام مثل "دوستويفسكي". لو عدنا إلى تاريخ الكاتب نجده كان محكوماً بالإعدام من قبل نظام بلده، بسسب انتمائه إلى ربطة "بيتر اشيفسكي" التي تناقش الكتب الممنوعة ضد النظام، لكنّهم خففوا الإعدام إلى السجن. يبدو أن مصير الكاتب الأعدام سواء كان حيّاَ أو ميتاً والجريمة هي الكتاب!! وهو الذي اعترض على قتل الأطفال في الحروب في روياته الشياطين التي كتبها بعد عودته من المنفى، والتي لم تخلُ السخرية من السياسية والمجتمع، وقد أدان فيها سفك الدماء فقال: "يا إلهي لماذا  يموت الأطفال، لماذا لا ترفعهم إلى السماء مؤقتاً ريثما تنتهي الحرب، ثم تعيدهم إلى بيوتهم آمنين؟ وحين يسألهم الأهل محتارين: أين كنتم؟ يقولون مرحين: كنا نلعب مع الغيوم".
وأنا أقول: لمَ الأدب والمعرفة أوّل القتلى في الحرب؟ ما ذنب الكاتب بحرب بلده؟ لو سلّمنا وأستسلمنا لمثل هكهذا قرارات سياسية وليست علمية أو معرفية كيف سيكون وجه العالم في المستقبل القريب والبعيد؟ ولا أعتقد أن هكذا قرارات تستهدف دولة الحرب، بل هي تسعى إلى  تجهيل العقول، وتزيد من تخلّف البشرية التي صارت تقترب من افتراس الكون، وتطمس في بئر الحروب المقطوعة حبالها ولا سيّارة تمرّ عليها.