البحث عن المعنى في عالم متحول

ثقافة 2022/03/09
...

 سهير السمان 
يضعنا كتاب الباحث المصري نبيل عبد الفتاح أمام قضايا وتساؤلات تثير عقلية القارئ العربي، وتكشف مشكلاته الممتدة منذ عقود والتي أنتجت واقعا مأزوما على جميع الأصعدة. يقع الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2021 في 425 صفحة، قسمه الباحث إلى ثلاثة كتب ويحتوي كل كتاب على عدة فصول. ونظرا لما يحتويه الكتاب من أهمية، رأينا أن نستعرض أهم ما طرحه الباحث في الفصل الأول من الكتاب الأول.
 
وفي هذا الفصل يجد القارئ العربي نفسه أمام أسئلة تتردد بقوة عن الأزمات المتلاحقة التي أصابت الواقع العربي، وأمام مسؤولية كبرى لأن يضع هذه التساؤلات نصب عينيه في كل حالاته، ومن الأجدى أن يبدأ بالتفكير، وإيجاد الحلول مع ما يناقشه الكتاب، فكيف سنخرج نحن العرب من هذا الواقع كله.
ومن أهم الأسئلة التي وضعها الباحث في هذا الفصل، إشكالية النظريات والمناهج النقدية الغربية التي تبنتها مصر والعالم العربي، لتطبيقها على الواقع الاجتماعي، والاقتصادي والسياسي، والثقافي.  وما مدى نجاعتها؟ وهل تصلح لواقعنا؟ وهل هي متحيزة ضد العالم الثالث، وما سبب الدعوة إلى هجر تقاليد البحث والمصطلحات الأوروبية والغربية؟، هل هي دعوة جديدة من دعاوى السلفية الفكرية في العالم العربي، أم أنها جزء من بحث مضنٍ عن الأصالة والذاتية الحضارية، وتأكيد الهوية في مواجهة الاستلاب؟؟.
أسئلة واكبت حدثا سياسيا مباشرا في المجتمع العربي، وهو تصاعد الموجة الإسلامية السياسية المرافقة للثورة الإيرانية.
إن إثارة مثل هذه الأسئلة تضع العربي أمام عجزه في فهم هذه النظريات والمناهج النقدية، فهل هي أسئلة عن هاجس معرفي أصيل، أم أنها محض أسئلة زائفة، وتقنيع لإشكاليات أكبر؟، وهل العيب في هذه المناهج الغربية أم أنه في التركيبة العربية المعقدة؟.
مثلت هذه الأسئلة انعكاسا لظواهر الموجة الإسلامية المواجهة للغرب، وهي التي يرى الباحث أنها لم تحقق حتى اللحظة الراهنة أي إنجاز سياسي أو فكري على أرض الواقع العربي والمصري. 
كما يرى أن هذه الدعوة هي تعبير عن ظاهرة التحول في إطار الجماعات الثقافية العربية وتغيير بعض المثقفين العرب انتماءاتهم الفكرية.  وهو ما مثل انعكاسا للتصدع الذي شاب الانتماء الوطني، وتحولها من أزمة صفوة إلى سلوك جماهيري. 
والإجابة عن هذه الأسئلة يقتضي تحليلا للحوار وللنقاشات التي طرحت وأثيرت عن مدى صلاحية هذه النظريات والمناهج الغربية للتطبيق العملي على واقعنا 
العربي.
وقد وضع الباحث نقاطا عدة لتفكيك عناصر الأزمة في هذا الحوار وأسبابها، من خلال ملاحظات حقلية بشأن تطبيق مثل هذه المناهج، كحالة القانون الغربي في الواقع المصري، والبحوث الاجتماعية والسياسية، والانفصال بين الإطار الغربي وحالات تطبيقه، وظاهرة البحوث النفطية، ومستويات الاختلال في علاقتنا بالمنهج الغربي، والعوائق التي تواجه عملية الحوار التقليدي، والبحث عن مخرج من الأزمة.
وقد حدد الباحث ثلاثة أسباب لأزمة الحوار، وهي سيطرة الطابع الأيديولوجي الإسلامي منذ بدايات عقد الثمانينات، إثر الهزائم والوهن الذي أصاب المنطقة العربية، مما دفع بعض المثقفين العلمانيين للبحث في الموروث الإسلامي في الوقت الذي افتقرت الساحة العربية لتيار إسلامي معاصر. 
فهذه العوامل شكلت البيئة السياسية والثقافية للحوار، كما أن الضعف في التكوين الأدائي لدى بعض الباحثين والكتاب العرب في الحوار وفي أنماط الكتابة السائدة وضعف في معرفة المناهج الغربية السائدة صعب من تحديد قضايا بعينها لتطبيق المناهج والنظريات الغربية مما حول النقاش والحوار إلى ضرب من الهجاء النظري في الساحة العربية.
البحث عن مخرج من الأزمة: هنا يطرح الباحث محاولة للخروج من مأزق مسألة المنهج والمصطلح الغربي، من خلال وضع إطار نقدي للإشكاليات، وعدم التعامل مع هذه المناهج والنظريات باعتبارها موضة من الموضات، بل يجب وضع الخطط الدقيقة للاستفادة من هذه المناهج والنظريات، فنحن لا نملك ترف الإعراض عن ذلك المنتج الفكري الغربي، ويتم ذلك عبر ترجمة يخطط لها الباحثون، وخلق بوتقة للتخصيب الفكري، كما أن الانفتاح عبر الترجمة والنقد ليس على الغرب المعروف فقط، بل مد النظر إلى غرب آخر برز إنتاجه الفكري في العالم الثالث كأميركا اللاتينية، وأفريقيا، وآسيا. 
وما نجده في فصول الكتاب تباعا، مناطق متنوعة من أزمات متعددة، يضع الباحث يده عليها، وفي عملية التفكيك المتوالية تبرز عناوين الفصول الكاشفة، كما في الفصل الثاني: ثقافة النفط وصخب الكلمات، والفصل الثالث: المسألة الصحفية المصرية: الماضي المركب والمستقبل القريب. الفصل الرابع: الشعرية العربية الجريحة أزمة التلقي والتمثل. الفصل الخامس: الدور الثقافي المصري في عالم جديد تحت التشكيل. ولنا وقفات مقبلة مع هذه الفصول.