المسرح هو الحل .. دعوة للعودة إلى فضاء الخشبات

ثقافة 2022/03/09
...

 حيدر عبد الله الشطري
 
جاءت رسالة اليوم العالمي للمسرح لهذا العام 2022، والتي كتبها (بيتر سيلرز) لتعبر عن عمق المعاناة والظروف التي يمر بها العالم، وما عانت منه الإنسانية خلال تلك الفترة والتحولات الكبيرة التي مرت بها البشرية والفترة الملحمية التي عاشتها والتي أدت الى تغيير كبير في خارطة العلاقات الإنسانية حتى كادت أن تكون خارج قدراتنا التعبيرية والإدراكية.
وحينما أصبحت وسائل الاتصال والإعلام تعيش حالة كبيرة من الصدمة، وهي تحاول التعامل مع المستجدات التي مر بها العالم والتي جاءت على غفلة من الجميع ولم تأتِ بعد مقدمات تمهد لها وتنذر بوقوعها ولم تعد حينها حتى اللغة قادرة على توصيف ما حدث، لقد كانت صورا بشعة وغريبة ولم تكن جديدة على العالم الذي بدا لفترة وكأنه يحتضر أو يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام هول الجائحة التي اجتاحت العالم أجمع، وحينما غاب المسرح عن دوره الفاعل في الحياة وابتعد جمهوره عن قاعات العرض حيث صار الإنسان أمام حقائق جديدة ترغمه على العيش بالتباعد والانعزال، وبعد كل ذلك وعندما بدأنا نتلمس ملامح التعافي من إصابة العالم صار لزاما علينا أن نبحث في أسباب العودة الميمونة لبث لروح الأمل والحياة الجديدة.
وينبه (سيلرز) أنه لم يكن غير المسرح من شكل فني قادر على التعبير عن ذلك، ويتمكن من ملامسة التجربة السابقة والخروج منها بسلام، وكذلك محاولة فهم ما جرى وكيفية تجاوز هذه الأزمة والرجوع مرة أخرى للحياة. ويبين (بيتر سيلرز) في متن رسالته ولغرض العودة وانطلاقا من نقطة الصفر الغريبة التي وُضِع فيها العالم لا بدّ من التفكير جلياً وبعمق في نوعية البذور التي يجب زراعتها في المستقبل واستبعاد ما تعفن من بعض أنواعها لكي نجني ثماراً نسعى جميعا لحصادها وتناولها.
وقد أكد وفي سياق الرسالة على أننا بحاجة الى تحديث ذاكراتنا وتدريبها على طقوس جديدة تسمح لنا بالتخيل ورسم معالم أخرى لخطوات لم نعرفها سابقا تسير بثقة نحو مسيرة الحياة الأجمل.
وهكذا يصل بنا (سيلرز) الى حقيقة أنه لم يكن غير المسرح من بيئة جاهزة وحاضنة كبيرة لتشكيل فضاءات مشتركة تعيد توازن العلاقات الإنسانية ومميزاتها ودورها في إدارة العالم، ويشير إلى أنها مساحات واسعة ليست للترفيه فقط، وإنما للتشارك والاستماع والمساواة، تشتغل في التجديد وفتح منافذ أخرى وفضاءات لا تتسع لها إلّا خشبات المسارح التي تشع بالجمال وتنبض بالحياة وتكرس للتفاعل العميق والعمل الجاد والدؤوب.
ثم ينتقل كاتب الرسالة الى الاستشهاد والتمثل بكتاب (زخرفة الزهور) لبوذا، إذ يستعرض فيه عشرة أنواع للصبر العظيم في حياة الإنسان، وأن أحد أقوى هذه الأنواع هو الصبر على إدراك أن جميع الناس هم في النهاية مجرد سراب، ولطالما تناول المسرح هذه الفكرة واشتغل عليها، وهو بذلك يتيح لنا مساحة واسعة للرؤية بوضوح تام بعد إزالة الغشاوة والتضليل.
لقد كانت دعوة خالصة للعودة الى فضاء الخشبات والتي من خلالها نستطيع أن نصل الى درجة اليقين فيما نراه ونحسه ونعيشه، ولم يكن غير المسرح من وسيلة للوصول الى ذلك وتحقيق هذه الغاية السامية التي تسعى الى الارتقاء بالبشرية، ومن ثم تحقيق التشاركية والتفاعلية بينهم، وذلك من أسمى مساعي المسرح وخير من يرى الواقع البديل، فالإنسان بحاجة الى إمكانيات جديدة تؤدي به الى العيش بسلام ونهج مختلف لمرحلة مقبلة تختلف كثيرا عما سبقها وتحديد سمات العلاقات الخالدة والإحساس بها. وهي أيضا دعوة أخرى من سيلرز لانتعاش العقل الإنساني في فهم حواس الإنسان وشعوره وتخيلاته ودراسة تاريخه ومستقبله وفق المستجدات الحديثة التي تقود الى ذلك، وأن ذلك لا يستطيع القيام به أشخاص يعيشون بعزلة عن العالم بمفردهم بل أشخاص يعملون معا للتخطيط في تجاوز المراحل التي تمر بها الأمم والتحولات التي تقلب الصفحات وتدير البوصلات، ولم يكن أولئك الأشخاص سوى المشتغلين بالمسرح والعاملين به والذين يفهمون دوره في إدارة ذلك والنظر إليه من زوايا توضح صوره بدقة.
وهكذا كانت رسالة هذا العالم وثيقة تؤكد ضرورة المسرح في الحياة الإنسانية وعدم القدرة على تجاهل دوره في كل زمان ومكان.