فرض منطقة حظر للطيران في أوكرانيا سيكون كارثياً

قضايا عربية ودولية 2022/03/12
...

 ترجمة: أنيس الصفار
 
انطلقت مؤخراً نداءات تدعو إلى فرض منطقة حظر محدودة للطيران فوق أجزاء محدّدة من أوكرانيا لأسباب إنسانيَّة، وقد شاركت في الدعوة لهذا الفرض جماعات من الناشطين الأوكرانيين ومؤسسات فكرية أميركية وأوروبية وكذلك بعض المسؤولين السابقين في سلك الخدمة العامة من واشنطن ولندن. الرأي العام منقسم حول هذه المسألة ولم تحسن الحكومة ولا الإعلام شرح وبيان ما هي بالضبط "منطقة حظر الطيران" وما الذي يترتب عليها وكيف تفرض؟، وحيث إنَّ الجمهور المطلع الواعي هو الأساس في تحديد المسار السليم للسياسة العامة في دولة مثل الولايات المتحدة يصبح من المهم أن يفهم الناس ما الذي تتطلبه منطقة حظر الطيران ولماذا نعتقد أنَّ من شبه المحتم أن تؤدي إلى اشتداد حدة التصعيد مع روسيا وكيف أنَّ إجراء كهذا لن يكون في صالح أميركا.
منطقة حظر الطيران ليست اتفاقاً ناعماً بين سيدين مهذبين يقضي بامتناع طائرات أحد الطرفين عن التحليق فوق منطقة معينة ..كلا.. إنها إعلان  من أحد الطرفين بأنَّ طائرات الطرف الآخر سوف "تتعرض للإسقاط" إذا ما دخلت المجال الجوي المشار إليه. فمنطقة حظر الطيران التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على العراق تضمنت قصف دبابات صدام حسين وناقلات جنوده المدرعة بالقنابل، ومنطقة حظر الطيران التي فرضت فوق ليبيا شهدت إسقاط النفاثات الحربية الفرنسية طائرات ليبية، كما قصف البريطانيون والأميركيون دبابات معمر القذافي ومواقع مدفعيته وأنظمة دفاعه الجوية. بل إنَّ إسكات مواقع الدفاع الجوي المعادية هو أول فعل يأخذ مجراه عند فرض أي منطقة حظر للطيران، وهذا بحكم التعريف يكاد يعني بالحرف ضرب وسائل الدفاع الأرضية وبالتالي التعرض للنيران المعادية. مناطق حظر الطيران ليست فعلاً يهدف إلى خفض التصعيد، كما لا يمكن للطرف الذي يفرضها أن يطمئن إلى أنها ستبقى "محدودة" الأبعاد. منطقة حظر الطيران هي بحد ذاتها تصعيد ينطوي على خطر حتمي بحدوث رد فعل تصعيدي.
فرض منطقة حظر للطيران في أوكرانيا سوف يجعل الولايات المتحدة، بحكم التعريف، طرفاً مقاتلاً في حرب مع روسيا التي تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم. كذلك سيتطلب الأمر تنفيذ الطائرات الغربية أعمال الدورية في الفضاء الجوي الأوكراني وهذا يجعلها هدفاً محتملاً لأنظمة صواريخ أرض- جو الروسية بعيدة المدى من قواعدها المتمركزة في روسيا وبيلاروس، وهذا التهديد سيفرض على الطائرات الغربية بالمقابل أن تتولى إسكات الدفاعات الجوية الروسية عن طريق تدمير صواريخ أرض– جو وكذلك الرادارات والمدرعات داخل الأراضي الروسية والبيلاروسية، ناهيك عن الاشتباك الجوي المباشر مع الطائرات الروسية. من المهم جداً أن نتذكر أنَّ روسيا قد أحجمت حتى اللحظة عن استخدام أقوى ما في جعبتها، وأنَّ طائرات الصف الأول في القوة الجوية الروسية لم تنزل إلى ميدان العمليات بعد. يمكننا القول إنَّ القيادة الروسية تعمد إلى الاحتفاظ بقواتها تحسباً لاحتمالات توسع الحرب وامتدادها إلى أبعاد إقليمية أو حتى قارية، لكن متى ما فرضت منطقة حظر للطيران فسوف يكون من شبه المؤكد أن تلجأ هذه القيادة إلى الزج بأعلى ما لديها من قدرات إلى الساحة.
الإيحاء بأنَّ حظر الطيران من شأنه خفض التصعيد بدلاً من تأزيم أجواء الحرب في أوكرانيا تعلق بآمال لا طائل منها، ففكرة فرض هذه المنطقة ترتكز من الأساس على مدى ما تمتلكه روسيا من قدرة على ضبط النفس، وقد أعلنت روسيا منذ الآن أنها سوف تعد أي منطقة حظر للطيران فوق أوكرانيا فعلاً من أفعال الحرب. هذا المعنى سيشمل أيضاً أي قاعدة لحلف الناتو تستخدم في الدعم العملياتي لأوكرانيا، لذا سيكون من السذاجة تصور أنَّ "فلاديمير بوتين" والقادة الروس الاخرين سوف يجلسون مسترخين بينما قوات حلف الناتو تهاجم الطائرات والدفاعات الجوية الروسية. أوردت صحيفة الغارديان قبل أيام تقريراً جاء فيه: "عشرات التمرينات الحربية التي نفذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أعقاب الغزو الروسي في 2014 توضح أنَّ بوتين قد يلجأ إلى استخدام السلاح النووي إذا ما استنتج أنَّ نظامه معرض للتهديد."
لقد أكدت إدارة بايدن مراراً، بثبات وحكمة، أنَّ الولايات المتحدة لن تسير إلى حرب مع روسيا بخصوص أوكرانيا لإدراكها أنَّ مثل هذا التورط قد يتصاعد ببساطة ليتحول إلى ضربات نووية. هذا الإصرار يجب أن يبقى سياسة ثابتة للولايات المتحدة لصالح إنهاء هذه الحرب وإحلال السلام في أوكرانيا، ولهذا السبب ينبغي الامتناع عن فرض أي منطقة حظر فوق أوكرانيا.
 
سومانترا مايترا/عن موقع "ذي ناشنال إنتريست"