إدوارد سعيد: الخط العربي يدنو من الزخرفة والأرابيسك

ثقافة 2022/03/13
...

  مرتضى الجصاني
 
إنَّ العربية الكلاسيكية، المشتغلة بطريقة سليمة، ليس لها نظير على مستوى دقة العبارة والكيفية المدهشة التي بواسطتها تمكن تغيرات الحروف الذاتية لكلمة (لا سيما النهايات) من بلورة أشياء متباينة جدا. أيضا هي لغة، مضبوطة بلا مثيل، قياسا للثقافة العربية: مثلما كتب ياغوسلاف ستيكيفتش Jaroslav Stekevych، والذي خصص لها أفضل دراسة في العهد الحديث (إنها مثل فينوس Vénus، لقد انبثقت في إطار حالة من الجمال التام، ثم احتفظت به على الرغم من طوارئ الزمان وإكراهاته). بالنسبة للطالب الغربي: (توحي العربية، بفكرة انجذاب تشبه الرياضيات تقريبا. النظام الممتاز للصوامت الثلاثة ذات الجذر الكيميائي، والأشكال المتنامية للأفعال مع دلالاتها القاعدية، ثم التشكل الدقيق لاسم الفاعل واسم المفعول. كل شيء واضح ومنطقي وممنهج ومجرد). 
كذلك، هي جميلة، حينما نتأملها في صورتها المكتوبة. من هنا، الدور المحوري والدائم لفن الخط. فن تركيبي، يتميز بأعلى درجات التعقيد، ويدنو من الزخرفة والأرابيسك، أكثر من التفسير الاستدلالي. كان هذا النص مقتبسا من كلام للمفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد واتفق في مجمل ما كتبه سعيد عن اللغة العربية وعن الخط العربي بالخصوص لكن أختلف مع ما جاء في الاقتباس في آخر سطر في أن الخط العربي يدنو من الزخرفة والأرابيسك أكثر من التفسير الاستدلالي ذلك لأن الخط العربي كما وصفه إدوارد سعيد في الاقتباس أعلاه أنه فن تركيبي معقد ومن ثم هذا التركيب والتعقيد لا يقتصر على الشكل فقط، وإنما له بُعد آخر غير الشكل الظاهر للمتلقي، وهنا أنا لا أتكلم عن جميع أعمال الخط العربي بل عن إمكانات الخط العربي للمتلقي الذي له شغف في معرفة جوانب أخرى عن الخط العربي إذ ينطوي الخط العربي على أنساق مضمرة داخل النص.
لا شك أن لكل فن حالات من التطور التي توصله إلى ذروة النضج الفني وبعدها من الممكن أن ينهار أو يتم تكسير قواعده أو إعادة صياغته بصورة عديدة منها الناعمة ومنها الوحشية والقاسية منها ما يعيد مفاهيمها، ومنها ما يعيد أشكالها التي يحب وهكذا، إذن الخط تطور في مراحل عديدة كغيره من الفنون الأخرى حتى دخل في طريق "التصوف الفني" وهنا أقصد التصوف الناتج عن الفن بمعنى أن تقودك اللوحة إلى التصوف ربما من حيث لا تعلم، وهذه الحالة تتجلى في الخط بصورة كبيرة رغم أن الخطاطين يحاولون أن يستلهموا التصوف بصورة بعيدة عنه ذلك عن طريق محاكاة لنصوص قرآنية أو أحاديث مقدسة أو حتى أقوال وحكم لأئمة التصوف وشيوخها، وبالحقيقة هذا لا يكفي أن تكون لوحتك لوحة متصوفة، متجردة، رمزية ذات دلالة أبعد من النصّ، لأنّ التصوف هو حالة من التماهي مع اللوحة ومحتوياتها للتعبير، وأعتقد أن النص لا بدَّ من أن يتكلم ولا يبقى صامتا، فالنص الكلاسيكي هو نص صامت رغم حالة التزويق الفني وحتى التزويق الرمزي لأنه في الأصل هو لوحة غير متكلمة أما النص الرمزي المتصوف فيتكلم من دون حتى أن تجره إلى منطقتك لأنه يتضمن نسقا مضمرا للنص، الأشياء التي لم تقلها بعد الأشياء التي يحتويها النص في داخله وما بعده، الأشياء التي كلٌّ يكتشفها كما يحب، الرمزية التي تحاول قول المخفي بعيداً عن التسطيح الفني للحرف والذي يحوي قوة خارقة على التعبير لأن الحرف بحد ذاته من الممكن أن يتعدد المعنى والمعنى داخله من الممكن أن يعبر عن نفسه بأشكال متعددة وهذه الأشكال من الممكن أن تكوّن مع بعضها معاني أخرى مختلفة في كل مرة تتشكل فيها بصورة جديدة، وهكذا يكوّن الخط سلسلة متداخلة من المعاني والنسق الداخلي المعبر وصولا لتجريد النص كليا وإحالته إلى حالة رمزية معبرة، أما الفنان 
فأعتقد عليه اكتشاف القوة الداخلية للحرف وإطلاقها بأي صورة كانت.