أنت شاعر حتى حين لا تكتب

ثقافة 2022/03/13
...

 
 مارك دانوسكي
  ترجمة: علي رحمن
في الشعريَّة، يعرِّفُ أرسطو جوهرياً الشاعر بأنَّه شخصٌ لديه «عين على المتشابهات». وهو تذكيرٌ لطيفٌ للاستكشاف، حرفياً ومجازياً، انظر للمحيط، انظر للداخل، ببساطة انظر. 
كلنا مقيدون في أجسادنا الماديَّة في حين نسكن الفضاءات الخارجيَّة. ما هي فضاءاتك الخاصَّة؟ ما الموجود في هذه الأماكن؟
 
يقول الناس «تحدث الحياة حين تنشغل في الخطط الأخرى». أحيانًا، وللعودة إلى كتاباتك، تحتاج العيش قليلاً. 
ليس لافتقار المحتوى، يقول فلانيري أوكونور: «أي شخص نجا من طفولته لديه عن الحياة المعلومات الكافية ليقتات بها بقيَّة أيامه».
لكلّ كاتب استعارة لتوضيح «في انتظار البئر حتى تمتلئ» فتصبح القدرة على التقرّب من الأوراق معقولة. 
حين لا تكتب بنشاط، أو تشعر بعدم كفاية ما تكتب، فقد يكون هذا هو ما تحتاج فعله بالضبط. فقد يكون ما تحتاج هو الوقتُ لتحقيق الانعكاس. فثمة أوقاتٌ لعيش الحياة ببساطة وأوقاتٌ للكتابة كي تفهم العالم.
كنت أؤمن بحاجة جميع الكتّاب إلى وظيفة يوميَّة، ما قصدته فعلاً ولم أدركه حتى الآن هي حاجة الكتّاب إلى محفّزٍ لتشجيعهم على وضع القلم على الورق.
ليست الضرورة في ما تفعل، بل هي انغماسك اللاشعوري في المعلومات. 
كتب روبرت بلي في كتاب «Leaping Poetry” “وثبة الشعر” أنَّ القصيدة الجيدة لها “قوس من الارتباطات يتوافق مع حياة الأشياء الداخلية”.
جوهريّا، الشعر يدور حول التفكير الترابطي.
هذا جزءٌ من سبب تشجيعي لقطف اليانع من الأشياء التي تستمع بها من كل الأنواع المختلفة المفروضة علينا.
انتبه إلى ما تنتقل فيه من البيئات المختلفة؛ إلى الناس في الداخل والمحيط وخارج دوامتك ومارس الحياة اليوميَّة؛ لاحظ التكرار والاختلاف؛ انعكسْ على الطريقة المعينة لعقلك وجسدك في السير بين الأيام القصيرة والأيام التي تبدو دائمة إلى الأبد.
من الأخطاء الاعتقاد بأنَّ العيش في البر يجلب الحياة البريَّة إلى الورقة. الذهاب إلى الحانات في أحيانٍ كثيرة وقيادة سيارات (Uber -lyft) مصدر بعض قصصي الأكثر تسلية، ومع ذلك، ليس هذا أفضل مصادري للكتابة.
فالأوقات التي كنت فيها أكثر إنتاجًا في حياتي هي التي كنت أملك فيها التنظيم والروتين. 
للكتّاب عادات غريبة معروفة ويحيط الروتين كتاباتهم. غوته كانت له عادة مع التفاح الفاسد. أودن له جدول زمني صارم (شائع) والذي تضمن جرعة يوميَّة من الأمفيتامينات (أقل شيوعاً، لا ينصح به)؛ الدكتور سوس انشغل بالقبعات (ليس ذلك غريبًا)؛ والتزم هاروكي موراكامي بجدولٍ زمني صارم (شائع) يتضمن قدرًا كبيرًا من الممارسة (أيضا ذلك شائع إلى حدٍ ما). معظم الكتّاب لهم القليل من الممارسات المشابهة نوعاً ما للخرافات.
سمعت الكثير عن مسببات ترك الكتّاب أعمالهم اليوميَّة غير كاملة عن قصد. وأجد هذا المفهوم مثيرًا؛ على الرغم من أنه ليس جزءاً من ممارساتي الكتابيَّة.
فثمة من الكتّاب من يقول إنَّه توقف في منتصف الجملة. الذين يعيدون في اليوم الجديد كتابة عمل اليوم السابق؛ الذين يتوقفون عن الكتابة في منتصف الفصلِ لأنهم يعرفون إلى أين يتجهون (فيبدو من الأسهل البدء في اليوم التالي)؛ الذين توقفوا رغم الشعور بغريزة الحاجة للاستمرار في 
الكتابة.
وغالباً ما كان ذلك بشكلٍ حصري من الكتّاب الذين لا يكتبون الشعر حيث كانوا يتحدثون بهذه الطريقة.
اسأل أيّ شاعر عن الروح التي توحى له، فلو أنهم آمنوا بتجاوز هذا المفهوم لأرواحهم أم لا، سيخبرونك عادة أنهم يكتبون حتى تتلاشى الكلمات. الشعراء في الغالب ينزفون من أنفسهم. وثمة استثناءٌ بشكلٍ واضح، تقول ماري آن سايمن إنَّ معظم قوتها البارزة كشاعرة تتجلى في قدرتها على الابتعاد عن الورقة. يمكنك الشعور بذلك في شعرها. 
ثمة مسافة حقيقيَّة جدًا بين السطور. الشاعر هو من يختار عمدًا إرساء السطور وترك القصيدة غير مكتملة ، لانتظار وصول الكلمات الفاضلة.
كتب ستيفن دوبينز كتاباً شعرياً بعنوان “أفضل الكلمات، أفضل ترتيب”، وكتب بعد ذلك دليلاً آخر بعنوان الكلمة التالية، كلمة أفضل.
وهذا يثيرني ويضحكني في الوقت ذاته، فالكلمات الفاضلة ليست سوى أفضل الكلمات في الوقت 
الحاضر. هذا هو سبب اتهام الشعراء والكتّاب بصورة خاطئة بكتابة “نفس الشيء” مرارًا وتكرارًا.
ولا يعني ذلك أنَّ ستيفن كينغ كتب الكتاب ذاته تارة أخرى بل ما زال يحاول كتابة أفضل نسخة بارتكازه على رغبته الأصليَّة.
يقول ماثيو زابرودر في كتابه “لماذا الشعر”، “القصيدة تجربة مستمرة من التكهنات والتساؤلات”. وما أراه من قول زابرودر هو عدم اكتمال القصيدة. لأنها تطلب من القارئ إحضار كل تجارب القراءة والأفكار والمعتقدات إلى الطاولة أثناء قراءة القصيدة. 
في كل مرة نواجه القصيدة، نستدعي نسخًا جديدة من أنفسنا. وهكذا يستمر تطور القصيدة والقارئ معًا.
القصيدة العظيمة، هي قصيدة دائمة، جيدة في هذا الوقت وجيدة في بقية الأوقات.
في مقالته، الشكل الذي تخلقه القصيدة، يشجعنا روبرت فروست على استهداف القصيدة التي يمكن إعادة قراءتها مرارًا وتكرارًا دون 
فقدان قوتها. بكلمات فروست، “اقرأها مئة مرة, ستحافظ إلى الأبد على طراوتها كما تحافظ بتلة على 
عطرها”. 
يركز فروست على أهميَّة الدهشة في القصيدة. ومن الأقوال المشهورة: “لا دمع من الكاتب، فلا دمع للقارئ، لا دهشة للكاتب، فلا دهشة للقارئ”. 
على نقيض ذلك، تقول ليندا جريج “لا تثقل القارئ بكثرة فعل التخمين”. فعليك التوجه بسعيك الدائم للعثور على البقعة المحلاة. 
كان أعظم الشعراء الاعترافيين موهوبين في السير على حبلٍ مشدودٍ من العاطفة. عاطفي جداً؟ مثل السقوط من هاوية عاطفيَّة. وقد يكون ذلك صعبًا ولكن الصعوبة هي طبيعة فعل الأشياء الثمينة.