شيء لا تقتله البنادق

آراء 2022/03/13
...

  حارث رسمي الهيتي 
أعكف منذ أيام على كتابة ورقة تتناول ما حدث في تشرين 2019، بدايات الأمر ومجرياته ومآلاته، وهنا كان عليَّ أن أمر على كثير من مقاطع الفيديو، التي يوفرها اليوتيوب وآلاف من الصور الفوتوغرافية، التي التقطتها كاميرات المصورين من وكالات إخبارية محلية وعالمية، وحتى متظاهرين بسطاء أرادوا توثيق كل تفاصيل ساحات التظاهر.
كثيراً ما توقفت مثلاً أمام فيديو يصور (الكولجية) وهي التسمية التي أطلقها من كانوا في ساحة التحرير على أولئك الشباب، الذين كانت مهمتهم تتلخص في حمل قنبلة الدخان حال سقوطها على الأرض ورميها في وعاء من الماء مثلاً، أو أن يلقوا عليها غطاءً ثقيلاً لإبطال مفعولها. وقفت أمام الصور التي ركزت على توثيق اللوحات التي زينت نفق التحرير. 
الرسومات هذه ورغم بساطتها، الا أنها كانت تحمل كثيرا من مطالب المحتجين، كما أنها أشرت إلى ما كانوا يعتقدون أنه أس المشكلة التي يرغبون حلها، شعارات كانت تندد بالتدخل الدولي والقليمي في الشأن الداخلي العراقي، وأخرى كانت تحتفل بالدور البارز الذي لعبته المرأة العراقية، واحدة من تلك اللوحات كانت وكأنها رسالة لما بعد الاحتجاجات، كانت تخاطب المحتجين وقتلتهم في آن واحد، كانت تحذر وتتحدى وتتنبأ، لوحة خطت في أعلاها عبارة تقول (في القلب شيء لا تقتله البنادق أنه 
الوطن). 
قد تكون الخلافات السياسية ظاهرة موجودة في أغلب بلدان العالم، والاحتجاجات والإضرابات وقطع الطرق بغية ايصال رسالة معينة أو إلفات النظر إلى مطالب معينة ظاهرة ايضاً، لكن الجديد والغريب وما لا يتوفر الا في العراق هو استسهال اسكات صوت المحتجين، فهنا لا داعي لتلفيق التهم مثلاً، ولا داعي للمحاكمات والدفاع والمدعين، كل ما تحتاجه قاتل لا يتورع في استخدام مسدسه، طلقة واحدة أو اثنتين ويسكت الصوت إلى الأبد، لكن القاتل على ما يبدو أنه لم يقرأ الجملة في اللوحة تلك، أو لم يفقهها مطلقاً (في القلب شيء لا تقتله البنادق إنه الوطن).