الرواية المستحيلة

ثقافة 2022/03/14
...

 ابراهيم سبتي         
متى يدرك الروائي أنه كتب الرواية المستحيلة التي ستجعله معروفاً في الأوساط الأدبية المحلية والعربية والعالمية أسوة بالروايات التي سجّلها التاريخ وخلّدها؟
إن الرواية التي ستضعه بمصاف الكتّاب الكبار والمشهورين، لم تكتب حسب ظن الكتاب أنفسهم، أو أنها كُتبت ولكنها لم تأخذ مكانتها التي تستحقها بعد. الرواية المستحيلة هنا، لا أعني بها الرواية التي لا يمكن كتابتها أو الاقتراب منها، ولكن أقصد تلك الرواية التي تُكتب وتصدر وتشتهر ويتداولها القراء بالسر والعلن، وفي كل الأوساط الأدبية في كل بقاع الدنيا ويصبح كاتبها شهيرا كنجيب محفوظ أو حنا مينا أوغونتر غراس أو ماركيز أو دان براون.. ومتى يصبح الكاتب بشهرة هؤلاء؟ الجواب لا يمكن أن يكرر الزمن نفسه! لأن أي كاتب لو كتب عشرات الروايات وفاز بعشرات الجوائز فإنه لا يصبح كاتباً شهيراً وعالميا كأولئك أبداً لأسباب أهمها؛ أن الحقبة التاريخية ليست هي التي نعيشها اليوم فقد كانت تسهم في صنع الاسم والشهرة وتدفع به المؤسسة التي تحتضنه وتروّج له وكانت الحياة بسيطة وخالية من التعقيد الاجتماعي والتقني. فصنع التاريخ أسماء كثيرة وظلت عالقة في أذهاننا إلى اليوم بل سيبقون كذلك إلى الأبد. 
وهي نظرية تشبه رواد الشعر مثل السيَّاب ونازك، فكم من الشعراء خرجوا وتصدوا المشهد وبرزوا واشتهروا، ولكنهم لم يصلوا إلى شهرة أولئك الرواد، رغم شهرتهم وتفرّدهم وابتكاراتهم. 
وبعض كتّاب الرواية، أصدروا رواية واحدة فذاع صيتهم في كل الأصقاع حتى أن رواياتهم الوحيدة تُدرس ويُضرب بها المثل الإبداعي على أنها روايات متفرّدة لم يكتبها أي كاتب آخر. وإذا قلنا بأن الحقبة الزمنية قد تغيّرت وصارت الشهرة اليوم، مجرّد تمجيد مؤقت أو احتفاء في ندوة أو مؤسسة أو منشور في منصات التواصل، وسرعان ما ينسى وتعود الأمور إلى نصابها بعد زوال فورة الاحتفاء. هذا الزمن هو زمن السرعة والركض خلف الأشياء التي تتبدّل في كل ساعة لأنّها ستصبح قديمة بعد حين وتظل عجلة الحياة، تدور وتدور وتسحق معها كل النفائس والتي لو وجدت قبل أربعين سنة مثلا لكانت متميزة لا مثيل لها. إذن نحن أزاء مشكلة صارت ملاصقة وموازية للإبداع، هي التقنية المعاصرة التي داست على الأصالة والتميز والإبداع وحولتها الى مظاهر ملوّنة تشبه صور الإعلانات التي سرعان ما تتغيّر وتحلّ مكانها أخرى. أنا هنا لا أزرع بذور الياس في نفوس الكتّاب بأن أعمالهم لا تتخلد أبدا، إنّما أقول بأن علينا أن نعي حقيقة مفادها بأن الأزمان تغيّرت وما عادت الروايات الصادرة اليوم مهما كانت قوية ومتميزة، فهي تصل إلى حدود معلومة وينتهي الأمر. إن أية رواية تصدر في هذه المرحلة، هي بمثابة عمل إبداعي سيأخذ دوره ومكانته حتما، وستصبح رواية شهيرة ومعروفة وسيتم تداولها بين القرّاء بشكل واسع وتُعرف وسيظل عنوانها عالقا في الأذهان. 
لكن كاتبها سوف لا يُعرف وسيظل مركونا في الظل بعكس الزمن الماضي الذي كان الكاتب يُعرف مع روايته ويشتهر كما تشتهر هي أي أنهما صنوان لا يفترقان. اليوم باتت الحالة مختلفة، فكم نتذكر من عناوين الروايات أحيانا ولكننا لا نتذكر أسماء كتّابها. هي مشكلة صارت ترافق الكاتب منذ إصداره الأول ولكنه سيُجبر على نسيان طلب الشهرة مهما كانت وسائله الشخصية تحاول ايصال روايته إلى أوسع رقعة من التعريف لأنها ستصطدم بعوائق وعقبات. 
أن الرواية المستحيلة لم تكتب بعد، وإن كتبت بمواصفات الروايات التي أخذت شهرتها وسجلها التاريخ كعمل أدبي فخم لا يتكرر، فإنها لا تأخذ الشهرة التي يتمنى الكاتب الوصول إليها لأن مجريات التطور المسرعة صارت عائقا وجدارا صادا للكاتب وروايته التي ربما هي أفضل بكثير من بعض الروايات العالمية التي طُبل لها.