فلوديمير زيلنسكي.. من الملهاة إلى المأساة

آراء 2022/03/15
...

  رعد اطياف
 
خلال متابعتي للمناشدات المستمرة للممثل الكوميدي السابق والرئيس الأوكراني الحالي فلوديمير زيلنسكي وهو يطالب الغرب، كما الطفل المدلل، بحزمة إجراءات مهمة وضرورية لأوكرانيا، منها الدخول في عضوية الاتحاد الأوربي، والإصرار على عضويته في حلف الناتو للحفاظ على أوكرانيا من هيمنة روسيا، ومن ثم مناشداته المستمرة بحماية الأجواء الأوكرانية. 
حتى أن الرجل يستغرب من عدم إصغاء "حلفائه" الغربيين لهذه المناشدات. ومغامرات الرئيس الأوكراني لا تقل من حيث أبعادها المستقبلية عن مغامرة بوتين المكلفة. 
لكن بوتين سيجيب: أنا مستعد لدفع الثمن فهي مغامرة تستحق كل هذه المعاناة للشعبين الروسي والأوكراني. لكن، وعلى ما يبدو، أن مغامرة الرئيس الأوكراني لا تستحق كل هذه الكلف الباهظة. ليس لأن الغزو الروسي مبرر دولياً، وليس لأن روسيا ستجعل من أوكرانيا جنة اقتصادية عظيمة، بل يتعلق الأمر بسلسلة المخاطر الجسيمة التي سيتكبّدها الأوكرانيون على صعيد السياسة والأمن. فالرئيس الأوكراني، على قلة خبرته، يعلم جيداً أن روسيا مستعدة أن تجعل من أوكرانيا حطاماً على أن تسمح لها بالانضمام إلى النادي الغربي، هذا لو سلّمنا أن الغرب ينظر بجدية لهذا الانضمام. وهو يعلم كذلك أن النادي الغربي تنحصر مهمته في جعل أوكرانيا منطقة توتر لمشاغلة روسيا وإنهاكها فضلاً عن إنهاك أوكرانيا. هل كان يعتقد أن الولايات المتحدة ستغامر بهذه الحرب الجنونية للدخول في صدام مباشر مع روسيا؟ هل يعتقد أن أوروبا مستعدة لوقت طويل التضحية بأموال دافعي الضرائب لسواد عيون الأوكرانيين؟. 
إن كان ثمة "فائدة" جليلة لهذا الرئيس الشاب والمتحمس، فهي تنحصر في نقطتين: تدمير أوكرانيا عبر إعطاء المزيد من الذرائع لروسيا بغزوها، وتهيئة الفرصة الذهبية لدول الأطلسي لجعل روسيا بقعة معزولة عن العالم، وتحويلها إلى دولة هامشية واستئناف الحرب الباردة من جديد. 
ولا أظن الحرب ستتوقف عند هذه العتبة بالذات؛ لقد انفتحت شهية الغرب على روسيا مرة أخرى، ولم يخبرنا التاريخ الأوروبي أنه نظر يوماً ما نظرة مطمئنة للدب الروسي، أنه عداء تاريخي متأصل تشتبك فيه الجيو- سياسة، والتاريخ، والطائفية!. 
كما أنه لم ينظُر لروسيا يوماً ما على أنها دولة أوروبية على الإطلاق. لا أحد من الضعفاء محظوظاً في هذه المعادلة، وحدهم الأقوياء من سيقررون؛ فلهذه الحرب آثار كبرى، أهمها أنها ستغير خارطة العالم، وبالتأكيد سوف لا تكون أوكرانيا من الدول المهمة في هذه الخارطة، التي ستعمل على هندستها في المستقبل ثلاث قوى عظمى على الأرجح: الصين، الولايات المتحدة، 
وروسيا.