د. حامد رحيم
تصنف عمليات بيع الدولار عبر نافذة البنك المركزي اقتصادياً على أسلوب عمليات السوق المفتوحة (Open Market Operations) وقد اتبعت في العراق بعد عام التغيير السياسي لغرض السيطرة على سعر الصرف، وهي جزء مهم في السياسة النقدية، إذ اعتبر سعر الصرف مثبتاً اسمياً للسياسة بعد فقدان سعر الفائدة (interest) القدرة على التأثير بسبب الاختلال الهيكلي في النشاط الاقتصادي الناجم عن الاعتماد على النفط وضمور الاستثمارات وفقدان مرونتها الى حد كبير تجاه سعر الفائدة، بالمقابل أصبحت السوق الداخلية تعتمد بشكل كبير على الخارج وما يورد لها من سلع وخدمات، فصارت عملية تثبيت سعر الصرف هي المتحكمة بالمعدل العام للأسعار الى حد كبير نسبيا.
إنَّ الأثر النقدي للنافذة يؤدي دورا مهما اقتصاديا في مجال واجبات البنك المركزي ضمن هدفه المركزي في السيطرة على التضخم عبر التأثير على الكتلة النقدية داخل الاقتصاد، وهنا العملية تؤشر لنا خللا بنيويا آخر، إذ إن احتكار الحكومة للمورد الأساس في الاقتصاد وهو النفط وما يشكله من نسب عالية في الناتج المحلي تصل معدل نسبة تفوق 48 % وتركزه في الصادرات 99 % ومساهمته في ايرادات الموازنة بلغت معدل نسبة 92 %، ومن ثم هو المساهم الأكبر في نسب تحسنات الناتج المحلي الإجمالي، والقضية هنا، فإن تلك العوائد الحكومية تحقق قدرة متنامية على الانفاق، وبما أن العملية قائمة على مقايضة بين وزارة المالية والبنك المركزي، الطرف الأول يمنح الدولار إلى الثاني ويصبح ديناً عليه ليقوم الثاني بتعويضها بالدينار ليعيدها الى وزارة المالية.
وبما أن حجم الناتج مرهون، وفقا للنسب المذكورة، بالنفط وهو في تطور انتاجي إذ وصلت الطاقة الانتاجية الى خمسة ملايين برميل ومن المؤمل أن تصل الى الثمانية في 2027 وفقا لخطط الوزارة، وهذه التوسعات تؤدي الى تحسنات الناتج، وهنا السبب الأكثر أهمية في تنامي الكتلة النقدية التي يصدرها البنك ووفق المعادلة المذكورة، إذ تضاف تلك الزيادات الى النشاط عبر الانفاق الحكومي بشكل أساس.
إنَّ ضبط معدلات التضخم تكمن في إجراءات النافذة، إذ تقوم بسحب جزء من الكتلة النقدية عبر مقايضة دولار النافذة بدينار الشارع، وهذا يعد عملية (تعقيم) لآثار الانفاق الحكومي وهي عملية مكلفة جدا، واحد عوامل نسف التراكم الرأسمالي. ونؤشر اختلالا هيكليا آخر يتمثل بأن مصدر الدولار الوحيد تقريبا هو النفط، ونسبة التركز تثبت ذلك، ومن ثم تلبية الطلب على الدولار داخليا لتغطية الاستيرادات لا سبيل له إلا عبر سحب الدولار الحكومي، وهذا ما تقوم به النافذة، مما يعني أنها مهمة على الصعيد المالي فهي الضامن لتدفق السلع ومهمة أيضا نقديا، إذ تمكن البنك من السيطرة على معدلات التضخم عبر سحب الأثر التضخمي للتنامي المستمر للكتلة النقدية نتيجة للانفاق الحكومي.
وهنا الرد على دعوات إلغاء النافذة بحجة الفساد الكبير الذي يرافق عملها، ودعوات (الدولرة) من دون أن يفهم أثرها، فالحل في الأجل القصير يكمن بالمعالجة القانونية للفساد في النافذة أما على الأجل المتوسط والطويل فالمعالجة للاختلال الهيكلي الذي يفرض وجود النافذة.