حمزاتوف ويان فرنكل بين اتحادي أوكرانيا وداغستان

ثقافة 2022/03/18
...

  عباس ثائر
 
إنّه لشيء كريه أن يحبّك بعضهم لأنك تشترك معهم في كره من يكرهون، وما يكرهون، وأن يكرهك، فقط، لأنك لا تكره أعداءه.
وإنّه لأمر مخزٍ أنّ ترفض الأعمال أو الأفعال المكروهة بينما تشير إليها وتصفها بالكريهة، كلّ شيء يدعو للكراهية مكروه، وكره الفعل الذي يدعو للكراهية، يدخل أيضًا ضمن دائرة الكره لأنّك كرهت، وانتهى الأمر بك في أنّ تكره.. إنّه لأمرٍ قاسٍ أنّ تخضع لسلطة الرحمة السرمدية في أغوار النَّفس حتى تأبى ألا تكره الكره ذاته.
أسوق ما تقدم لأتحدث عما يحدث الآن من كراهية وبغضاء بين أدباء روسيا وأوكرانيا وداغستان. حملتُ حقيبتي ذات يوم، ودخلت يكاتيرينبورغ، جنوب الأورال في روسيا، دخلت إلى روسيا من الأورال ولم أدخلها من العاصمة موسكو، بعد انتظار استمر 16 ساعة في مطار دبي، وصلت يكاتيرينبورغ، وإذا بهواء بارد عاصف قد سلب قبعتي، وأماط عن وجهي ما احتميت به من البرد، ليس معي شريحة اتصال روسية، وليس في جعبتي اللغوية من الأبجدية الروسية حرفًا واحدًا، الروس أسوأ مني حالًا في اللغة الإنكليزية آنذاك، ماذا عليَّ أن أفعل؟ لا أدري تداركت الأمر بمعونة صديق كنت قد انتظرته في المطار. كلّ شيء كان غريبًا، أناس لا أعرف عنهم سوى أن لديهم أدبًا عظيمًا ونساءً شاهقات كأشجار البلوط في مدينة روستوف، وأنهم يمتلكون ترسانة نووية وعسكرية مخيفة، صرت منهم وصار لي أصدقاء من داغستان وأوكرانيا وأذربيجان وتركمانستان وأفغانستان وقرغيزستان وغيرهم، ناهيك عن العرب الذين يدرسون أو يعيشون هناك، كانت الشعوب المسلمة في روسيا أكثر الشعوب قسوة مع غير المسلمين من غير الروس، وأحيانًا أكثر وحشية مع المسلم الذي يتبع طائفة لا يتبعونها. الداغستانيون طيبون، لكنهم قساة بعض الشيء، كنت أتحدث معهم كثيرًا عن رسول حمزاتوف، وكيف كان ثوريًا رحيمًا في الآن ذاته، إذ كتب أشهر قصائده «اللقالق» تعاطفًا مع ضحايا هوريشيما حين زار اليابان، غُنيت ولحنت قصيدته لأول مرة من قبل يان فرنكل المولود في كييف، الأغنية أثارت تعاطف الشعب الروسي والشعب الأوكراني والداغستاني، إذ إنّها صارت من أكثر الأغاني شعبية في دول الاتحاد السوفيتي، وللمفارقة العجيبة أن حمزاتوف كتبها بلغته الأم الأفارية -اللغة التي يتحدث بها ما يقارب  300,765 في داغستان وغيرها- وترجمها نعوم غريبنيف إلى الروسية وغناها الأوكراني يان فرنكل، ماذا لو علم حمزاتوف بأن اتحاد كتاب داغستان مثله كمثل اتحاد روسيا أيد الحرب على أوكرانيا؟، وعرف يان فرنكل الذي غنى بالروسية للداغستاني حمزاتوف، أن اتحاد أوكرانيا حظر نشر الأدب الروسي والداغستاني؟.
ترى الآن أن الأدب سلاح حاد أيضًا، لا يسلم من التجريم والحظر هو الآخر؟.
ما الذي سيقوله رسول حمزاتوف لو علم أن اتحاد داغستان قد صرح بفخر: «أن الحرب لا تلد أبناء. لكن أبناء مثل نورحمدوف حاجي محمدوف الداغستاني، بطل روسيا، إذ أظهر كيف يمكن لابن عائلة واحدة -عائلة لاك- أن يصبح ابن الوطن الأم العظيم - روسيا. إذ انّنا فخورون به»، لو أدرك أنهم يفخرون بولدهم الحربي الذي صار ولدًا لروسية، من دون أن يفخروا بابن صار ابنًا للشعوب جمعاء كرسول حمزاتوف؟.
إنّها الحرب تمد أنفها في كلّ شيء ولا تستحي أن تطال الأدب والأدباء فتؤدلجهم.
أن يؤدلج الفن يعني أن تمنع الأغاني العراقية في سوريا، وفي المقابل أن تُحظر الأغاني السورية في العراق، ومثل هذا حدث أيضًا بين العراق والكويت. أدلجة الفن والأدب هي اللا عودة إلى الحياة، وإن عادت فتعود خجولة خافتة.