ياسر المتولي
منذ عامين كتبت مقالاً في إحدى الصحف التي تصدر في لندن حمل عنوان (على أعتاب نظام اقتصادي جديد) توقعت خلاله انفراطا في التحالفات الاقتصادية العالمية بين الدول الكبار مستنداً في توقعي الى ما سيخلّفه كوفيد - 19 الذي فرض الحاجة الى نظام اقتصادي جديد .
الآن وقد اتضحت صحة التوقعات، فهنا أقصد ملامح هذه الحاجة كنتيجة منطقية، وذلك لما ستخلّفه نتائج الحرب الروسية الأوكرانية .
تتجه الأمور الى الحاجة لعقد دولي جديد، إذ انحرفت المفاهيم عن أهدافها فلا قرارات أمميَّة تنفع ولا مجلس أمن دوليا مؤثر، كما نشاهد ونسمع عن عدم إيلاء الاهتمام من قبل الدول بالقرارات الدولية (الأممية) ليس من قبل الدول الكبرى فحسب وإنما من الدول الضعيفة والنامية أيضاً بمعنى نحتاج الى عقد اجتماعي وسياسي جديد ينظم العلاقات على وفق المتغيرات الحاصلة .
وهذا العقد يتصدره النظام الاقتصادي الجديد الذي توقعناه في مقالنا على أن يأخذ وقتا، ولكن الأمور تتجه للحاجة الى صياغته بصورة أسرع .
فلا دول عظمى بعد اليوم ما دامت هي من قوّض القرارات الأممية ولم تحترمها فما بالك بالدول الأضعف، وهنا تبرز لغة القوة (لغة الاقتصاد) ليس إلّا ..
نلاحظ العقوبات التي تفرضها الدول الأعضاء في مجلس الأمن على روسيا لثنيها عن أهدافها (بغض النظر عن أحقيتها من عدمه، فهذا ليس شأننا) إذ تواجه الدول الأعضاء بذات المنطق والعقوبات، من يعاقب من، لا نعرف ؟! مهما بلغت القوة التي تمتلكها أي دولة في العالم قتالية نووية اقتصادية، لا بد أن تخضع الى إرادة الشعوب في تحقيق مصيرها، والمخاوف من حدوث الفناء بعينه اذا اضطرت الدول لاستخدام النووي لأنها الصفحة السوداء لهذا السلوك .
هذا الدرس القاسي الذي تفرضه الظروف الآنية في معالجة الخلافات يدعو دول العالم الى مراجعة حقيقية لحقائق اللأمور والتعاطي على وفق متطلبات البقاء بديلاً عن الفناء وتكون الخسارة للجميع فلا رابح من هذه الخلافات .
هذا المخاض العسير الذي يواجه العالم يتطلب التفكير مليّاً بنظام اقتصادي جديد بعيد عن الغطرسة والهيمنة والتحكّم بمصير البلدان إنما يؤسس على وفق تبادل المصالح والتعايش بسلام وأمان والعودة الى نظام (المقايضة السلعية) أعطني ماءً، اعطك بترولا، أعطني رزا، اعطكَ تكنولوجيا وهكذا .
لا مكان لمنطق القوة والحروب بعد كل المآسي التي ألمت بالعالم إنما القوة في التعامل بعقلانية وكفى الناس شرور الحروب .
الخلاصة التي خرجنا بها هي انهيار وشيك للنظام الاقتصادي العالمي بكل نظرياته، كما انهار العقد الأممي الذي كان يحدد العلاقات الدولية، فالعالم يترقب ما ستؤول إليه المواجهة بين الدول الكبرى، فلا غلبة لأحد ولا انتصار، إنما الخسارة هي للشعوب ليس إلا، فهل سينفعنا هذا الدرس؟.