هل تخرق الصين جدار العقوبات الغربية على روسيا؟

قضايا عربية ودولية 2022/03/22
...

  ترجمة: أنيس الصفار                                               
فِي يوم الجمعة الماضي تحدث الرئيس “جو بايدن” هاتفياً مع الزعيم الصيني “شي جنبنغ” لمدة قاربت الساعتين. في لقائها مع الصحفيين قبل ذلك بيوم وصفت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض “جين ساكي” المكالمة الهاتفية بين الرئيسين بأنها ستكون فرصة أمام بايدن لتقييم حقيقة موقف شي بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا. أشارت ساكي إلى أن غياب الشجب الصيني لما تمارسه روسيا كان مثار توتر وقلق عميقين لدى واشنطن من احتمال اصطفاف بكين مع موسكو. أضافت ساكي: “مجرد امتناع الصين عن شجب ممارسات روسيا ينم عن معان كثيرة تملأ مجلدات، والأمر لا يقتصر على روسيا أو أوكرانيا فقط بل يشمل كل مكان في العالم.”
 
كان منتظراً من بايدن أن يبلغ شي بأن بكين ستدفع ثمناً باهظاً مقابل دعمها الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن خلاصة المحاورة التي خرجت بها الصين على الملأ لم تتضمن إشارة إلى أي من الشؤون الخلافية بل ركزت على أن الصراع والمواجهة لن يصبا في صالح أحد، كما أعلنت أن كلا الجانبين بحاجة للعمل معاً على استتباب السلام والهدوء في العالم.
كذلك حذر وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلنكن” من أن الصين سوف تتحمل مسؤولية أية أفعال تقدم عليها لدعم العدوان الروسي. العواقب التي تحدث عنها بلنكن لم يفصح عنها بالتفصيل ولكن يعتقد أنها سوف تتضمن عقوبات ثانوية بحق الشركات الصينية العاملة في روسيا.    
أحجمت الصين عن ضم صوتها إلى الصوت الغربي في شجب الغزو الروسي لأوكرانيا وركزت في خطابها على دعوة الطرفين للتوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات 
بأسرع ما يمكن. 
كذلك رفضت بكين بكل صراحة وصف الغرب الغزو الروسي بأنه “غير مبرر” و”بدون استفزاز مسبق” وألقت باللوم بدلاً من ذلك على حلف الناتو باعتباره هو الذي دفع العلاقات بين روسيا وأوكرانيا إلى ما وصفته بـ”نقطة الانكسار”. وفي مؤتمر صحفي عقد مؤخراً أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية  الصينية “شاو لي جيان” إلى تقييم “جورج كينان” الشهير الذي يفيد بأن توسيع حلف الناتو سوف يكون أشد الأخطاء المصيرية فداحة في السياسة الأميركية لحقبة ما بعد الحرب الباردة. قال “شاو لي جيان”: إن الحكومة الأميركية قد تصاممت وركزت جهودها على التوسع بحدود الناتو شرقاً خمس مرات من قبل، وأن قرار الولايات المتحدة هذا بالتوسع له علاقة مباشرة بالأزمة الأوكرانية الحالية.
قال المسؤول الصيني الكبير: إن مسؤولية الأزمة لا تتحملها روسيا بل الغرب، وأضاف: “مفتاح حل الأزمة الأوكرانية في يد الولايات المتحدة وحلف الناتو، وكلنا أمل أن يعيد هذان الطرفان المسببان بالأزمة التفكر حول دورهما في الأزمة الأوكرانية. عليهما معاً أن يتحملا المسؤوليات المترتبة على ذلك ثم يتخذا الإجراءات المطلوبة لتخفيف حدة الموقف وحل المشكلة وإنهاء الصراع في أوكرانيا بأسرع وقت.”
في يوم الجمعة كرر “شاو لي جيان” أن بكين لن تسمح بتسليط الضغوط عليها من قبل واشنطن بخصوص أوكرانيا. كما نقلت وكالة “تاس” الروسية الحكومية للأنباء عنه قوله: “تحاول الولايات المتحدة إلحاق الوصمة بالصين والضغط علينا وهذا تصرف غير مسؤول بالمرة ولن يعين في حل المشكلة. نحن نعارض ذلك وبكل بساطة لا يمكننا تقبل الموقف الأميركي.” كذلك وصف “شاو لي جيان” الموقف الصيني من الصراع في أوكرانيا بأنه “موضوعي وعادل” وأضاف أنه موقف اتخذناه على هدى “أحكامنا المستقلة”، على حد تعبيره.
لننتظر ونرى إلى أي مدى سينجح الكرملين في تخفيف الآثار الاقتصادية للعقوبات الغربية الشاملة من خلال الاعتماد على علاقاته مع الصين، بيد أن الأمر الواضح الذي لا ريب فيه هو أن بكين لم تعنَ بتقليص نشاطها التجاري المزدهر وعلاقاتها الاستثمارية مع روسيا. ففي شباط وقعت الصين صفقة نفط وغاز إجمالية مع روسيا أمدها ثلاثون عاماً بقيمة 117,5 مليار دولار، كما كشف النقاب في شهر آذار عن أن لاعبين صينيين مقربين من الدولة يدرسون فكرة شراء أسهم في قطاع الطاقة الروسي وشركات السلع هناك. كذلك لم يستجب مستثمرو التجزئة الصينيون، كبارهم أو صغارهم، لنظام العقوبات الغربي بالاصطفاف معه بل انكبوا يغرفون الأسهم ضمن نطاق واسع من أصول السوق الروسية.
يقول “هاو هونغ” مدير شركة “بوكوم” الدولية وكبير الباحثين فيها: “يعتقد بعض المستثمرين أن روسيا الان ليس لها من تلتفت إليه غير الصين. الصين تحتاج إلى السلع وروسيا مضطرة للبيع بسعر مخفض، والمثل الصيني يقول إذا ما اختصمت سمكتان كان الصياد هو الرابح.”
من موقعها الذي يكاد يكون معزولاً كلياً عن ارتدادات الحرب الانسانية والعسكرية والمناطقية المباشرة يبدو أن بكين تحاول استغلال الأزمة الأوكرانية كإسفين في مساعيها لإعادة ضبط وتعيير أساسات النظام المالي الدولي لحقبة ما بعد الحرب الباردة.
ففي وقت سابق من الأسبوع الماضي جاء في تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن المملكة السعودية تدرس فكرة تقبل عملة اليوان بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين. هذا الأمر من شأنه توجيه أعظم ضربة للبترودولار عرفتها الذاكرة الحديثة، ضربة تنبئ بقرب انتهاء ثلاثة عقود من الهيمنة المالية الأميركية وتقويض أحد أعظم مصادر الثروة الأميركية طويلة الأجل.
هذه الاستهانة الصينية المتحدية بالعقوبات تسلط الضوء على واحد من الأخطار التي تنطوي عليها حملة العقوبات الغربية القصوى ضد موسكو. فنظام عقوبات واشنطن هذا الذي لا سابق له وتهديداتها المتعجرفة بمعاقبة الحكومات التي تعتقد أنها تمد يد العون إلى روسيا من شأنهما التعجيل بانقسام العالم جزئياً إلى كتلتين اقتصاديتين، وهو تطور قد يصب بالنهاية لو حدث في إضعاف الغرب وتشجيع غرمائه المنافسين عليه.   
 
مارك ابسكوبوس/عن موقع 
“ذي ناشنال إنتريست”