عن رموز المسيحيَّة في الشعر الحديث

ثقافة 2022/03/22
...

برهان شاوي 
قبل أيام كنت في دردرشة سريعة جدًا مع الصديق العزيز الشاعر والكاتب أحمد عبدالحسين أثناء سؤاله عن زاويتي الأسبوعية والتي كانت عن المقاربة بين قصيدة (المسيح بعد الصلب) للسيَّاب وقصيدة (الحسين يكتب قصيدته الأخيرة) لرشدي العامل. فقد أشرت فيها خاطرتي إلى أن قناع المسيح لدى السيّاب كان تمثلا ذهنيا وثقافيا، من خلاله عبر عن معاناته الروحية والحياتية، بينما قناع الحسين عند رشدي كان تمثلا وجدانيا. علما أنه لا السياب كان مسيحيا ولا رشدي كان شيعيا، لكني توقفت عند ملاحظة دقيقة لصديقي أحمد عبدالحسين كتبها قائلا: (المنطلق واحد. كلاهما في لحظة ضعف جسدي أراد أن يرفع ضعفه إلى مصاف القداسة.. ومع ذلك رمز الصليب يتكرر أكثر من رمز عاشوراء في الشعر العراقي، لأنهم ذهنيون فعلًا لذا فاستجاباتهم ذهنية..).
معظمنا لم يقرأ الأناجيل ولا العهد القديم، بل تعرفنا على الرموز المسيحية من خلال الأدب، وبالتحديد مجلة شعر وترجمات شعر تي. إس. أليوت. فـ (جمعة الآلام) و(أربعاء الرماد) و(المجدلية) و(الصليب) لها دلالتهما الدينية والطقسية عند الشاعر المسيحي، بينما نحن نتوقف عند النبرة الشعرية الغرائبية للجمل والكلمات. 
وجملة الشاعر أحمد عبدالحسين: (رمز الصليب يتكرر أكثر من رمز عاشوراء في الشعر العراقي) دقيقة جدًا، ليس في الشعر العراقي الحديث وحده وإنما في التراث الشعري العربي الكلاسيكي أيضا، لا سيما عند أبي نواس وغيره، فالرهبان والأديرة والكنائس والنواقيس والمشي على الماء يرد ذكرها كثيرا في الشعر العربي الكلاسيكي. وفي شعرنا الحديث نجد بعض الاستعارات الشعرية عند الزهاوي والرصافي لكن أكثر المحمولات الرمزية للمسيح والصليب كانت عند السيّاب.
لم يذكر السيّاب المسيح في قصيدة (المسيح بعد الصلب) وحدها وإنما جاء المسيح والصليب في عدد من القصائد: (العودة إلى جيكور)، (مرثية جيكور)، وكذلك في قصيدته الخالدة (غريبٌ على الخليج): (بين القرى المتهيِّبات خطايَ والمدن الغريبة/ غنيتُ تربتَكَ الحبيبة /  وحملتُهَا فأنا المسيح يجرُّ في المنفى صليبه). لقد ارتقى السيَّاب بالرمز الديني إلى مستوى التجسيد الوجداني وهذا يحسب للسيّاب، بينما نجد التوقف يكون عند دلالة الرمز كما في قصائد البياتي التي يرد فيها ذكر الصليب والمسيح مثل: إلى عام 1975 وقصيدة مرثية إلى يافا. بيدَ أنَّ شاعرا، مأساويا، مسيحيا، انجيليا، مثل يوسف الصائغ نجده قد تمثل وجدانيا وروحيا التراثين المسيحي – اليهودي إلى جانب التراث العربي الكلاسيكي، كما في قصيدة (انتظريني عند تخوم البحر) وقصيدة (سِفر الرؤيا) التي تتناص فيهما مع (نشيد الإنشاد) و(سِفر الرؤيا) في العهد القديم، بل إنه تمثل الطقس المسيحي حتى في قصائده الوجدانية:  (اليومَ، جمعة الأمواتِ، سوف يخرج الناس إلى القبورْ/  قُومي معي… نبكي على قبرك يا حبيبتي/ وحينما يُتعبُنا البكاءُ، نترك عند القبر إكليلاً من الزهور) ونجده متمثلا للتراث العربي الكلاسيكي في (اعترافات مالك بن الريب) و(رياح بني مازن). وحتى استخدام نقيض المسيح، الخائن (يهوذا)، فهو يستلهمه للتعبير عن وضعه النفسي وأزمته السياسية الخانقة على خلاف الشاعر بلند الحيدري الذي تناول قناع يهوذا في قصيدته (توبة يهوذا).  سؤال الرمز المسيحي في الشعر مهم، وربما لم يتم التوقف لديه بما يستحق الغور والبحث النقدي. السيّاب حين يكتب عن المسيح ليس هو أنسي الحاج ولا خليل حاوي لا ولا يوسف الخال أو توفيق صايغ. فهؤلاء مسيحيون بالولادة، المسيح لديهم ليس رمزا أو قناعا أدبيا وإنما عقيدة ودين ومعاناة وتجربة روحية، فهم يحملون صليبه منذ طفولتهم ويقرؤون حكاياته في الأناجيل ويرون تماثيله في الكنائس، بل إن لغتهم إنجيلية لا سيما عند أنسي الحاج. وقد سبقهم جبران خليل جبران في ذلك من خلال (النبي) و(يسوع بن الإنسان). لقد وصلت الثقافة المسيحية ورموزها الدينية وطقوسها ومفرداتها إلى المثقف العربي المسلم وإلى الشعر العربي من خلال الشعراء المسيحيين ومن خلال مجموعة شعر. لقد بشروا بالثقافة المسيحية من دون تبشير ديني كنسي. وربما هناك استخدام أوسع للصليب من المسيح وطقوس المسيحية، من حيث أن الحلاج قد صلب، فكان صليب الحلاج تناص لا شعوريا مع صليب المسيح.