الطاقة الكهربائيَّة والابتزاز السياسي

آراء 2022/03/22
...

اياد مهدي عباس 
 
 
لم تعد الطاقة الكهربائية في عصرنا الحالي مجرد خدمة تعود بالنفع الاقتصادي والاجتماعي للإنسان، إنما أصبحت أداة من أدوات الهيمنة السياسية من قبل الدول المصدرة ووسيلة ضغط على الحكومات من اجل فرض أجندات سياسية معينة عليها. 
 
ولأسباب تعود إلى أهمية الطاقة الكهربائية في تحريك عجلة التنمية والتطور ودورها الكبير في بناء الحضارة الحديثة، تسعى الدول جاهدة لبناء محطات وطنية لتوليد الطاقة الكهربائية وبلوغ حالة الإكتفاء الذاتي منها كي تُجنب بلادها الابتزاز السياسي والضغوط التي تمارسها الدول المصدرة. 
ونحن على أبواب صيف جديد يتوقع فيه ارتفاع درجات الحرارة فوق المعتاد بسبب قلة الأمطار، وظاهرة الجفاف التي ضربت أجزاء واسعة من العراق وعودة العواصف الترابية إلى أجوائنا أصبحت الحكومة العراقية أمام تحدٍ كبير، خصوصاً أن قطاع الطاقة الكهربائية لم يشهد تحسنا عن السنوات السابقة ما يوحي ذلك إلى استمرار أزمة الطاقة الكهربائية في البلاد. 
وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم أصبح الحديث عن معوقات تعيق بناء منظومة وطنية لتوليد الطاقة الكهربائية، في بلد مثل العراق حديث غير واقعي وغير مقنع للمواطن العراقي، لأن الجميع يعلم أن العراق من البلدان الغنية بمصادر الطاقة، التي تعتمد عليها محطات توليد الطاقة الكهربائية كالنفط والغاز الطبيعي والموارد المائية وطاقة الرياح وأشعة الشمس، وغيرها من المقومات الأخرى، التي تُسهّل مهمة بناء أفضل المحطات الكهربائية واكثرها تطورا في المنطقة والعالم. 
فليس بوسع المسؤول العراقي اليوم أن يتحدث عن عملية بناء وتقدم وتنمية في البلاد، ما لم يتمكن من بناء منظومة وطنية لتوليد الطاقة الكهربائية قادرة على تلبية متطلبات الشعب العراقي من الطاقة الكهربائية، إسوةً بالدول الأخرى.
إن أزمة الطاقة الكهربائية في العراق هي من أكبر المعوقات التي تعيق تقدم البلاد، حيث تحولت هذه الأزمة إلى عبء نفسي واقتصادي كبير، ترهق كاهل المواطن والدولة معاً، خصوصا في فصل الصيف وزيادة الطلب عليها، ناهيك عن أنها تقف عائقا أمام تقدم النشاط الصناعي والزراعي وغيرها من الحرف التي يزاولها المواطن العراقي. 
 فما زالت أزمة الطاقة الكهربائية مستعصية على جميع الحكومات العراقية المتعاقبة، رغم الجهود الكبيرة التي بُذلت والأموال الطائلة التي أُنفقت عليها، لكنها ما زالت بحاجة إلى حلول جذرية وليست حلولا ترقيعية تؤدي إلى هدر المال العام واستنزاف ميزانية
الدولة. 
لذا أصبح لدى المواطن العراقي اعتقاد راسخ حول موضوع نقص الطاقة الكهربائية وبقاء الشعب العراقي في دوامة الحرمان والمعاناة، يتلخص بوجود إرادة أميركية وإقليمية ترغب في بقاء العراق في دائرة المعاناة ونقص الطاقة الكهربائية، لأسباب سياسية 
واقتصادية.
وإن ما يؤكد صحة اعتقاد المواطن العراقي هو قيام الإدارة الأميركية بمنع العراق من التعاقد مع شركات الدول المتخصصة في مجال توليد الطاقة الكهربائية، كالشركات الصينية والألمانية، ومواصلة الضغط على الحكومات العراقية من أجل ربط العراق مع شبكات الطاقة الكهربائية لدول الجوار، وجعل العراق تحت رحمتها ويدور في فلكها 
السياسي. 
لذلك أن عدم العمل الجاد من قبل الحكومات المتعاقبة من أجل بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية داخل العراق، هو خطأ ستراتيجي وتأريخي كبير، لأنها جعلت البلاد رهينة الضغوط السياسية للدول المصدرة، واستخدام الطاقة الكهربائية كورقة ضغط على الجانب العراقي والتحكم في قرارته السياسية والتدخل في شؤنه الداخلية، لذا على ساسة العراق اتخاذ خطوات جادة من أجل تحرير العراق من الهيمنة الإقليمية، وذلك من خلال بناء منظومة وطنية لتوليد الطاقة الكهربائية داخل العراق وبالاعتماد على المواد الأولية المحلية والإرادة الوطنية المستقلة.