الأسلوب العنقودي في الاستثمار الزراعي

اقتصادية 2022/03/23
...

 د. حامد رحيم
 لا يقصد من (العنقودي) هنا التحليل الإحصائي التخصصي الذي يعالج قضايا نوعية لبعض المحاصيل الزراعية وهو من اختصاص المهندسين الزراعيين، بل إن الموضوع برمته اقتصادي تنموي نحاول من خلاله إحداث مقاربة بين فكرة (العناقيد الصناعية) والاستثمار الزراعي الشامل.
إن نمط الزراعة في العراق يمتاز بالتخلّف فالملكيات ما زالت بأغلبها أسرية وعلاقات العمل بدائية تقوم على النظام الأسري، فضلا عن وسائل الانتاج التي لم تعد تلائم نمط الانتاج الواسع فهي متخلفة، بالخصوص طرق الري وأساليب معالجة ضعف الخصوبة والملوحة، كذلك طرق التسويق الزراعي وغيرها الكثير من العوامل الذاتية، ناهيك عن العوامل الموضوعية المتمثلة بخطر التصحر وقلة التدفقات المائية وتخلف طرق الربط بين المزارع ومناطق استهلاك المحاصيل، والعامل المهم الآخر المتمثل (بالعامل التجاري) وغيرها. 
وعلى ضوء الدور المحوري للقطاع الزراعي على الصعيد الاقتصادي وحتى السياسي، وما تمثله النسبة المتدنية جداً من مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي والتي بلغت معدل مساهمة 4.88% فقط ومثلت تلك النسبة الزراعة والصيد والغابات، فإن ذلك يؤشر خللا بنيويا في النشاط الاقتصادي كوننا نملك ميزة نسبيا كبيرة جدا في الزراعة مما يستدعي إحداث (ثورة تغييرية) في هذا القطاع الرائد ذي الارتباطات المتشعّبة، لا تنظر الى (التمويل المالي) فقط من دون النظر الى مستقبلات هذا التمويل، أي وجوب اشتراط تحديث وسائل الانتاج وعلاقاتها لتجنب الهدر، كما حصل في ما يعرف (بالمبادرة الزراعية).
إن الأسلوب العنقودي والذي نعني به تحول الأرض الزراعية الى منظومة عنقودية متكاملة (قدر الإمكان) تجمع بين العملية الزراعية والصناعية، إذ تخصص مساحات محدودة من الأرض لإقامة نشاطات صناعية وبرادات ومخازن ومعامل تعليب وتغليف للمنتجات التي تزرع في تلك الأرض وحتى مطاحن ومعامل زيوت، ومن ثم إمكانية التحول نحو الانتاج الواسع من دون الخوف من تقلبات الطلب على المنتجات بسبب الموسمية الزراعية، إذ ستكون العملية التسويقية باتجاهين؛ الأول، نحو السوق لتلبية الطلب على المحاصيل، والثاني، باتجاه العملية التصنيعية لتحول تلك المحاصيل الى منتجات معلبة كمعجون الطماطم والبطاطا المصنعة والباقلاء المجمّدة وغيرها من المنتجات ذات العمر الطويل نسبيا، وبذلك تنتهي الى حد ما مشكلة فائض العرض الموسمي الذي يؤدي الى انهيار الأسعار وخسارة المنتج، فضلا عن المنافسة التجارية الموسمية وغير ذلك، ناهيك عن خفض التكاليف الذي تضمنها الطريقة العنقودية إذ لا تحتاج العملية الى نقل سريع وطويل نسبيا وغير ذلك، فالعملية كلها في مكان واحد والأهم هو أنه في ظل هذه العملية سنتحول من نمط العلاقات الأسرية المتخلفة الى نمط جديد يقوم على أساس الشراكات مع الآخرين وتحول فعلي نحو الرأسمالية الزراعية الضامنة لتحديث طرق الري والبزل والتسميد وغيرها، لأنها تبحث عن الوفرة في الانتاج لتوسعة الأرباح مع توافر قدرة أكيدة على التصدير 
وغير ذلك .
إن واجب الحكومة في توجهاتها التنموية (المفترضة) أن تعمل على تشريع القوانين التي تعيد توصيف البعد القانوني الخاص بالأراضي الزراعية وان يكون تمويلها مشروطا بهكذا نمط انتاجي، ناهيك عن تقديم ما يدعم العوامل الموضوعية التي تضمن نجاح العملية الاستثمارية الزراعية العنقودية.