مانفيستو النسويّة العموميّة

ثقافة 2022/03/25
...

 د. نادية هناوي 
 
دافعت ماري وولستنكرافت Mary wollstonecraft 1769ـ 1797 عن النسوية الغربية بوعي نضالي وإرادة قوية متفردة بصوتها الأنثوي كممثل لهذه النسوية من خلال تأليف كتابها( دفاعا عن حقوق المرأة A VINDICATION OF THE RIGHTS OF WOMAN) وعلى الرغم من أهميته التاريخية والفكرية، فإنه لا يزال غير مترجم إلى اللغة العربية، وأول نشر له كان في اواخر القرن الثامن عشر وتحديدا عام 1792 ليكون حجر الأساس لانطلاق الحركة النسوية في الغرب، ومنه اتضحت بواكير الفعل النسوي السياسي والثقافي والفكري مطلع القرن العشرين. 
وما امتلكته وولستونكرافت من شجاعة فكرية في الاحتجاج والمسؤولية في تبني قضية النسوية، هو وحده الذي جعلها تقف على رأس النسوية الغربية، معممة جهدها في الدفاع عن النسوية ليشمل كل مسائل الحياة متفردة وطليعية في تقدمها على نساء أخريات سبقنها أو عاصرنها كن كاتبات واديبات وقد وجهن اهتمامهن نحو وضع المرأة في المجتمع غير أنهن لم يكن مدافعات بالفكر، كالدفاع الذي قدمته وولستونكرافت وهي تتخذ من قلمها وسيلة بها تؤكد حقوق النساء المهضومة.  
فكانت هي الفيلسوفة النسوية والكاتبة الجريئة، التي هاجمت الرجال ولم تخشهم موجهة نقدها اللاذع للذكورية ونزعتها الانفرادية في الهيمنة والاستحواذ، رافعة شعارها( أدافع عن جنسي). وبسبب شجاعتها وإيمانها بالقضية النسوية أهدت كتابها إلى السيد تاليران أسقف أوتون بيريغورد تعبيرا عن هدفها الإنساني، الذي تقرُّ به الشرائع الإلهية وتؤكده الدساتير والأنظمة الوضعية. 
ولعل حقيقة هذا الدفاع تتضح في ما ختمت به وولستونكرافت كتابها وهي توجه كلامها للرجال، قائلة ( كونوا أيها الرجال أكثر تفهماً وأنتم تضعون سلطتكم على ما تفعله المرأة كما تضعون هذه السلطة على الحمار أو الحصان، ولا تجعلوا جهلها سببا في إنكار حقوق عقلها. ومن ثم تتوقعوا الفضيلة التي قد لا تعد بها الطبيعة دوما في النهاية)، وكأن الدفاع عن النساء هو في حقيقة الأمر دفاع عن الرجال ضد أولئك الذين تأخذهم العزة بالتسلط والاستبداد إلى مخالفة ما إرادته الطبيعة لهم. ومن ثم يكون من الأفضل لهم أن يعترفوا بالمرأة شريكة لهم في الحياة تتعادل معهم في قيمتها وتتوازن في أهميتها. إذ لا قيام لمجتمع إنساني سليم إلا بتعاون النساء والرجال معا والذي فيه دوام النماء والتقدم. 
وما كان لوولستونكرافت أن تحوز على الريادة كإول إمرأة غربية تدافع عن النساء وتنادي باحترام أنثوية المرأة لولا (عمومية) دفاعها الذي وطّد للنسوية قواعدها كقضية خاصة بالمرأة حقوقاً وواجبات وحاجات ووظائف وغايات وكنظرية عامة وإنسانية، لها مدارسها كما لها استراتيجياتها وتطلعاتها. ومن دلائل ريادة وولستونكرافت للنسويّة العموميّة ما تناولته في كتابها أعلاه من فضائل أخلاقية وتربوية أرادت للنساء الغربيات التمتع بها والتحلي بفضائلها والتمسك بها، ففيها خلاص المرأة من الاستعباد والذل والتبعية وهذه الفضائل هي كالآتي:
اولا: الاستقلال الذي اعتبرته وولستونكرافت نعمة الحياة الكبرى وهو أساس كل فضائل وفيه تكون المرأة في الحياة لا خارجها. ولأهمية هذا الاستقلال الذي فيه تتصدر المرأة المقدمة وتكون موضع الاهتمام؛ احنت وولستونكرافت قلمها لكل من يدعم المرأة ويجعلها تشعر بفضيلة الاستقلال وبالشكل الذي يعطي الأخلاق جوهرها.
ثانيا: الاحترام الذي به تنال المرأة حقوقها وتكون على بينة من واجباتها التي ينبغي أن تتطابق مع ما نصت عليه الشرائع والدساتير.
ثالثا: التعليم الذي من خلاله تنتشر المعرفة بين الناس بالتساوي، واجدة في فرنسا ـ التي كانت قد مارست مهنة التدريس فيها ـ هي الأكثر من أي جزء من العالم الأوربي اهتماما بالمساواة الاجتماعية في التعليم بين الجنسين.
رابعا: الحرية التي يختصرها قول المرأة (أنا أنطق بمشاعري بالحرية)، بعيدا عن دلالات التمادي والإفراط السياسية والمدنية والمعاني الجنسية الشهوانية التي تخرب الأخلاق وتجعل المرأة مهانة ومتهمة بالشرور.
خامسا: المساواة التي بها تسترد المرأة حقوقها وتكون رفيقة للرجل في المعرفة والفضيلة اللتين بهما تفهم المرأة أهمية أن تتعلم وأن تكون فاضلة وأن تعزز حريتها باستيعابها لواجباتها.
سادسا: أمومتها فإذا كان للأطفال أن يتعلموا فان المرأة هي المبدأ الحقيقي في هذا التعلم فهي أمهم، التي تعلمهم الوطنية والأنسانية والتحلي بالفضائل والنظر إلى المصلحة الأخلاقية والتمتع بالمدنية.
سابعا: العفة التي بها يغدو الجسد والعقل أكثر مثالية، فتعتصم المرأة من الزلل ويغدو إحساسها بالفضيلة، متجسدا في سلوكها الذي فيه يكمن جمالها العقلي.. ومن دون العفّة لن تُحترم المرأة أبدا في عالم الذكور. 
سابعا: السياسة التي بها تكون النسوية قد توازت في رؤية نفسها نصف الجنس البشري الذي استبعده نصفه الآخر، مؤكدة اضطهاده لها ومستندة إلى حجج بها تُجبر هذا الآخر على الاعتراف بقيمتها وأهميتها مشاركة معه في الحياة والعمل والحكم، وعندها يكون منطقيا أن نجد رأيا يسود في البلاد ورأياً يخالفه.
بهذه الفضائل السبع تكون وولستونكرافت قد رسمت للنساء جميعا طريقا عمومياً (نسوية عمومية)، إذا سلكته المرأة تمتعت بحقوقها وحصلت على غاياتها وبالشكل الذي فيه تكون فيه هي النساء جميعا، وفي الوقت نفسه هي الفرد المختلف والمنفرد في كينونته عن النساء الأخريات، وبحسب ما تتحلى به هذه المرأة من الفضائل. 
وهذا بالضبط ما يجعل كتاب وولستونكرافت بمثابة (مانفيستو نسوي) فيه وضعت كل الحجج والإثباتات التي توجب على النظام الذكوري ضرورة الاعتراف بحقوق المرأة التي بتطبيقها تكون نهضة النساء من السبات مغادرات منطقة الإتباع والهامشية. 
ولما كان من الصعب على المنظومة البطريركية وميولها الغريزية أن تعترف بهذه الحقوق، وجهت وولستونكرافت خطابها النسوي إلى الرجال جميعا، مؤكدة بذلك مشروعها الذي فيه تدافع عن نسوية المرأة.
وإذ تشرع وولستونكرافت منذ مقدمة كتابها في إعلان خيبتها وحزنها على هذا الوضع البائس الذي فيه النساء جاهلات والصفة الغالبة عليهن أنهن ضعيفات وصورتهن مقزمة بالنظرة الجنسية، فإنها أيضا وضعت المحاججة العقلية منطلقا به تكسب الرهان مع الذكورية، وتؤكد حاجة المجتمع الى المرأة عقلا كما هي حاجته إليها جسدا. ومن دون ذلك فلن تنال المرأة حقوقها ولن تعرف أهمية الفضائل، التي ينبغي عليها أن تتحلى بها كي تواجه الرجل، الذي كل غايته التفرد وتوكيد سيادته وفروسيته وعبقريته كصولجان يحمله في يده يمتهن به المرأة ويسخرها لما فيه منفعته الخاصة.   
ولم ينحصر دفاع وولستونكرافت عن النساء من خلال مواجهة الرجل وحده حسب؛ بل من خلال مواجهة المرأة أيضا المرأة التي ترضى بالخنوع للرجل والخضوع لنظامه الذكوري، قابلة أن تُستغل طاقاتها وتُمتهن كرامتها مناصرة تمادي الرجال في إذلالها فردا وغيرها جماعة واستعبادهن، فتقبل بحالها خادمة وجارية ليس لها سوى إرضاء الرجل، محنطة عقلها وقانعة أن تكون في موضع المساومة والشفقة والازدراء والرقة. وهذا هو الضعف المصطنع الذي به يستبد الرجل بالمرأة ويقمعها، بوصفها أقل وأضعف بكثير من أن تهزمه.
وبمواجهة وولستونكرافت لهذا النوع من النساء الضعيفات ضعفا مصطنعا، تؤكد ريادتها في الدفاع النسوي بشجاعة فكرية سعت من خلالها إلى رؤية المرأة محكّمة عقلها ومطوعة إياه لمنفعتها، كي تكون جديرة باكتساب شخصيتها المتفردة كنسوية لا يتحجم وجودها بالجندر 
وحده.