سياسة العناد

آراء 2022/03/25
...

 بشير خزعل 
 
العناد على خطأ أو صواب في بعض جوانب الحياة، يمر في أحيان كثيرة بقبول اجتماعي على مستوى الأسرة او مجموعة من الناس لتلافي مشكلة ما، لكن في السياسة ومصالح الدولة ومؤسساتها، لا وجود لغير تغليب مصالح العام على الخاص وفق الدستور والقوانين، من أجل ذلك جاءت الديمقراطية والانتخابات وغيرها من وسائل وآليات الوصول إلى قيادة الدولة والتداول السلمي للسلطة فيها، وبلا اجتهادات يمكن أن تحل محل دستور البلاد، الذي ينظم شؤونها بسلطة القانون، بعد كل انتخابات في العراق منذ العام 2003 وحتى اللحظة لم تمر العملية السياسية بمرور سلس وسريع مؤهل لرجالات دولة يمكن أن يعبروا بالأمة إلى بر الأمان، فنحن على حافة الهاوية بشكل دائم، ما لم يتداركنا أحد من هنا وهناك في اللحظات الاخيرة، ثم تشكل الحكومة على مضض وعناد مؤجل لحين وجود الفرصة للتشفي من الخصم، وليرجع العراقيون تحت وطأة التجاذبات والخلافات في حقبة أربع سنوات جديدة، مع انعدام الخدمات وتفشي البطالة واستمرار مسلسل الأعذار والتبريرات والقاء المسؤوليات عمن سبق، وهكذا تمشي الامور حتى موعد الانتخابات الجديدة في تاريخها فقط، والمكررة في برنامجها الراكد بلا تغيير، فعناد الساسة وصراعهم على المواقع والمناصب أهم من البرامج والخطط التي ترفع الحيف والمعاناة عن الناس، في العراق فقط يفسح للعناد في عالم السياسية مكانا واسع وحلبة كبيرة للصراع بوقت مفتوح، يدوم لأشهر وربما ينتهي بخراب يأكل اليابس وما تبقى من الأخضر، أكثر من خمسة اشهر مرت وما زال الصراع والعناد قائما على اختيار رئيس للدولة ورئيس للوزراء، ثم سيبدأ صراع آخر على اختيار الوزراء والوكلاء والمدراء و.. الخ، وبعد أن تتنهي معركة تشكيل الحكومة ويجلس كل ذي كرسي على كرسيه، ستظل الكهرباء على حالها ليتلظى الناس بحر الصيف، وستزداد البطالة، وتسوء الخدمات، وترتفع الاسعار، وتتسع دائرة الفساد، فتنشغل الحكومة بالاعداد لمحاربة هذه الآفات مع قرب الانتخابات المقبلة، لنمضي بعدها من جديد في مباحثات وآليات عناد لتشكيل الحكومة الجديدة، وهكذا الأمر مع مرور السنوات، ومن كان رضيعا في العام 2003 أصبح الآن شابا يافعا يسمع عن هذه الدوامة، التعذر بالسنوات الطويلة التي اقتضتها الديمقراطية للاستقرار في بلدان اخرى كما يدعي الكثيرون من الساسة، أصبحت مدعاة للسخرية، فأين الخبرة بالاستفادة من استثمار تجارب تلك الدول واختزالها وتخطي مراحل الفشل فيها، أم أن الاوضاع التي يعيشها العراقيون أصبحت واقع حال ومحط إعجاب لسياسة العناد، التي يتبناها المتصارعون على تشكيل حكومة بلا برامج ولا خطط لبناء الدولة أو تأمين مستقبل 
أجيالها.