بغداد: مصطفى الهاشمي
تلعب الموازنة دورا مهما في رسم السياسة الاقتصادية للعراق، لا سيما إذا كانت تدعم تنويع مصادر الدخل من إيرادات غير نفطية، إذ يشار إلى أن سر نجاح أي مشروع مرتبط بالأساس بالتمويل المالي، وأن أي نجاح للحيوية المالية لا يتم إلا عن طريق الاستقرار السياسي والأمني، في وقت التزمت وزارة المالية بموقفها من تعديل سعر الصرف وإرجاعه إلى ما كان عليه بمقدار 120 ألف دينار لكل 100 دولار، إذ إن أي تعديل بسعر الصرف يحتاج إلى سنوات عدة لإصلاح الأضرار الماضي، كما سیحتاج تخفیض قیمة العملة، كجزء متكامل من حزمة الإصلاح الشاملة، إلى عدد من السنوات قبل أن یؤدي إلى النتائج المطلوبة.
وفي هذا الشأن قال مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية الدكتور مظهر محمد صالح : إن “الموازنات السابقة كانت أغلبها موازنات تعويضية، أي توزيع الرواتب بدلاً عن الخدمات العامة المجانية وتحويلها الى خدمات خاصة مثل الكهرباء والماء والخدمات، وهذا يعد تقصيرا في إعداد الموازنات
العامة”.
وأضاف صالح أن “سياسة وزارة المالية جاءت بنتائج مالية ايجابية عملت على تعديل الاقتصاد العراقي، وأن هذا التغيير يجب أن لا يستمر لمدة طويلة لأن ذلك سيؤثر على عامة أفراد المجتمع”.
وأشاد المستشار بما قدمته الورقة البيضاء من إصلاحات اقتصادية أدت إلى تحسين وضع البلد وتسيير الأمور المالية بشكل ملحوظ، مؤكدا ضرورة “أن يتم تبني هذه الإصلاحات وتعديل على متن هذه الورقة من قبل أصحاب الاختصاص”.
وقدم المستشار عدة مقترحات من شأنها رفع اقتصاد البلد ومنها تعظيم الإيرادات غير النفطية، والاستدامة المالية لضمان قدرة الحكومة في الموازنة بين الإيرادات والنفقات، ومراعاة المرونة في عملية إعداد الموازنة لملاءمة الظروف الطارئة”.
بينما اقترح مختصون آخرون “زيادة التعاون او دمج وزارة التخطيط بوزارة المالية لضمان إنجاح الموازنات العامة ومعالجة قيد الموازنة الهش وتصحيح الانحرافات”.
من جهته أكد وزير المالية علي علاوي نجاح “سیاسة المركزي في خفض التضخم، والاستقرار الاقتصادي”، مستدركا: “إلا أن هذا الاستقرار جاء بتكلفة كبیرة على الاقتصاد، فاقمته تراكم واستمرار ممارسة السیاسات العامة والاقتصادیة منذ سبعینات القرن الماضي، المتمثلة بتوظیف عوائد إيرادات النفط المتزایدة للبلاد كأداة لتضخیم دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع، من خلال توسیع القطاع العام، وسیطرة الدولة المباشرة وغیر المباشرة على الاقتصاد، وزيادة الدولار الریعي للدولة في تقدیم الخدمات العامة
للمجتمع”.
وأشار الوزير إلى أن “النتائج الرئیسة غیر المقصودة تمثلت بتأثیر مدمّر على القدرة الإنتاجیة والتنافسیة في الصناعة والزراعة، اللتين أصبحتا غیر قادرتين على المنافسة (خاصة مقابل مثيلاتها في البلدان المجاورة)، والتي لا یمكن استدامتها إلا من خلال تكالیف ضخمة من المیزانیة من خلال دعم جمیع جوانب الإنتاج”.
لفت علاوي إلى أن “ارتفاع سعر الصرف الحقیقي للدینار مقابل انخفاض أسعار الصرف مع شركائه التجاریین (إیران وتركيا)، يعني أن سلع العراق القابلة للتداول والقطاعات الأكثر إنتاجیة ستصبح أكثر تكلفة مقارنةً بتلك الموجودة في البلدان الأخرى، ومن ثم فقدت قدرتها التنافسیة، إذ یمكن فهم هذه الدینامیكیة من خلال ملاحظة زیادة الصادرات التركیة والإیرانیة إلى العراق، التي تزامنت مع انخفاض عملة البلدين مقابل الدینار، وأن تلك الزیادة في صادراتهما إلى العراق جاءت على حساب القطاع الزراعي المحلي الذي يوفر 20 ٪ من فرص
العمل.
وأفاد بأن “تقلص القدرة الإنتاجیة المحلیة كانت من نتائج سیاسة الدینار القوي، وكان لها تأثیر مدمر على القدرتين الإنتاجیة والتنافسیة في الصناعة والزراعة، كما یتضح من النظر إلى الحجم الصغیر لقطاعات السلع المتداولة الرئیسة في العراق مثل الزراعة والصناعة، علاوة على ذلك ، فإن هذه القطاعات في جوهرها لم تنمُ بأي معنى
حقيقي”.